من انعكاسات التطور المطرد في التقنيات الإلكترونية بمجال الاتصال ووسائل الإعلام على مدننا، التي هي جزء من منظومة المدن حول العالم سريعة التأثر بهذه التقنيات، هو نشوء مبانٍ ذات واجهات اتصالية رقمية، بدأنا نرى نموذج منها في العاصمة الرياض، وذلك حين مشاهدة مساءاتها تتلألأ بهذا النوع من الواجهات، وما تبثه من رسائل ومحتوى إعلامي في محيط بعض مباني المدينة الرقمية، موحية تلك المباني ببداية نشوء ظاهرة العمارة الإعلامية على الفضاءات العامة واحتمال اتساعها في مدننا، تلك الظاهرة التي تتحول فيها الواجهات المعمارية للمباني حول تلك الفضاءات إلى شاشات ضخمة تبث في الغالب مضامين إعلامية ذات صلة بنشاط ووظيفة هذا المبنى في المدينة، حيث تنشأ تلك الواجهات منذ مرحلة تصميم المبنى لتكون جزء أساسياً من مكوناته تعمل على أن تتكامل فيه عناصره الخارجية مع الداخلية. إنه على الرغم من أن الواجهات الإعلامية الاتصالية للمباني تبدو وكأنها ظاهرة حديثة نسبياً إلا إنها في الواقع من الناحية التاريخية يمتد ظهورها إلى الحضارات القديمة وعلى نحو مستمر إلى اليوم، إلا أن ما هو مستحدث هو الجانب الاتصالي للمبنى مع محيطه من خلال واجهته الرقمية. مع ذلك واضح أنه يوجد تفاوت في وجهات النظر بين المهتمين بالمدن وعمارتها حول ظاهرة العمارة الإعلامية. فشريحة من المعماريين يعتقد أن هذا النوع من الواجهات الاتصالية الرقمية للمباني هي مهددة للتراث المعماري والعمراني للمدينة، في حين يرى آخرون أنها مجرد موجه عابرة لها مدى زمني محدد ستنتهي وتمضي معه، بينما فئة أخرى ترى أن الواجهات الإعلامية الرقمية سوف تصبح في نهاية المطاف نوعاً من أنظمة البنية الأساسية الحديثة للمدن. ومع كل ما تحمله تلك الآراء من وجاهة في الرأي حيال تلك الظاهرة سواء كان أمدها قصيراً أم طويلاً إلا أن حداثة نشوئها ومحدودية مبانيها توحي بأنها لم تحظَ بالقدر الكافي من العناية والاهتمام، لذا من الضرورة الحرص على استيعابها ضمن السياسات العمرانية في مدننا، التي أكاد أجزم أنه لا توجد بها معايير محددة تنظم بموجبها الواجهات الإعلامية الرقمية في كود البناء، لذا فإن استباق توسع هذه الظاهرة في الوقت الحاضر وأخذها بعين الاعتبار وتضمينها في ضوابط البناء من النواحي البيئية ومتطلبات الوقاية والأمان -خلاف المضمون الإعلامي- سيجعل انتشار تطبيقها مستقبلاً خالياً من السلبيات بإذنه تعالى.