لو قيل لكل امرأة: حاورى العصر الذى تعيشين فيه بلغة المشاعر الطموحة، والتفاؤل الواعد، والأمل الواسع، والثقافة الكونية الواعية لتأكد لكل ذي بصيرة أن عالمنا يمكن أن يتحول إلى جنة حوار أرضية، وأكوان من عالم الأفكار الجديدة التي تصنع للإنسان سعادته بنجاح لا نظير له في عالم التحاور. تتميز المرأة بقدرتها على أن تتجاوز كل أشكال الحوار التقليدية فلا تجعل منه حواراً بين إنسان وإنسان فقط، ففطرتها الحوارية التواصلية قادرة على أن تحاور كل تفاصيل عصرها المتفائلة، والمتشائمة، والضعيفة، والقوية، وليس من المبالغة القول بأنها تستطيع أن تحاور الجمال، والطبيعة، والليل، والنهار، والأفراد، والمؤسسات، واليوم، والغد، والذكريات الذاتية، والتاريخية، والمستقبل، والمعرفة، والثقافة، والقيم، والأخلاق، والشرق، والغرب، والمشكلات وحلولها، والتحديات وآثارها، والأمراض وعلاجها، وإنما تتوفر لها الشخصية الحوارية القيادية المؤثرة بالتدرب على أصول الحوار وآدابه، وآلياته الصحيحة حتى تصل لمرحلة من التمكن من معرفة الآخر وفهمه، ومعرفة المدخل الكلامي لإقناعه، واختيار الجو المناسب لطرح المواضيع باحترافية ثقافية وإعلامية واعية، وفهم مفاتيح كسب الآخر، وإدارة العلاقات الإقليمية والدولية بدبلوماسية مرنة وقوية، كما تتوفر لها أيضاً بإطلاق الأحكام بحكمة بعيدة عن سوء الظن أو الاستعجال، واللطف في التعامل، والتحلي بالإيجابية، واللين في محاولة الإقناع، وتقبل الأفكار الجديدة، ومناقشتها في جو من الهدوء، والتسامح، والعقلانية التي تسعى لتحقيق المصلحة بعيداً عن القسوة، والتعصب، والعنف، والطرق الضيقة. لا يمكن للمرأة أن تعيش خارج العصر، أو تسير بعيداً عن مواكبة المتغيرات العالمية بحجة أنه أصبح عصر الاغتراب، والرحيل، والتشاؤم، وسوء الظن، والأنانية، والأحلام غير الواقعية، فهى عندما تقود ميادين الثقافة والعلوم، والاستراتيجيات، والاستشرافات، وتتعب في توجيه الأجيال القادمة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لن يعرف الاغتراب واليأس والانسحاب والنوم طريقاً إليها، وإنما تحاور المرأة عصرها بنجاح ملموس عندما تتصدر مسيرة النهوض الإنسانى المعاصر من خلال الواقعية في التفكير، وترتيب الأولويات، والمرونة التي تساعدها على التكيف مع العالم المحيط بها وأن تضع أهدافاً محددة لتحقيقها، وتسعى لتحقيقها بعلو همة، وخطوات مدروسة، وخبرة تجنبها العادات السيئة التي تحول بينها وبين أهدافها. تحاور المرأة عصرها بالردود العلمية الملتزمة بأدب الحوار، والكلمات المختصرة الأنيقة، فخير الكلام ما قل ودل، وأن توسع دائرة حواراتها في عالمها الأنثوي أيضاً، وبالمناقشات الهادئة فعلو الأصوات والصراخ يفسد الحوارات، ويدمر العلاقات، وعندما تحاور تحرص على أن تستفيض في مشاعرها وطموحاتها الصادقة، وألا تجادل في مناطق لا تعرفها حتى تعرفها، وأن تبرز المعاني العميقة التي تحتاج إليها الحياة في كافة جوانبها المعرفية والتنموية وتشجع المواهب والطاقات الإبداعية، وأن تحرص على أن يكون حديثها إيجابياً وواضحاً، وصريحاً فأكثر ما يصنع التوازنات الوضوح والصراحة. تحاور المرأة عصرها بالاستجابة الحضارية لأكبر مشروع تمكيني عبر التاريخ الحديث والمعاصر يسعى لجعلها قائدة في سباق العلم، والتطور، والتكنولوجيا، ورائدة في مجال المعرفة الإنسانية المعاصرة، وملهمة للقدرات والطاقات البشرية القادمة، ومساهمة بجدارة في بناء المستقبل، ولا ريب أن المنطقية والهدوء والمعرفة الواسعة وترتيب الأفكار هي القدرات الحية التي تهيئ المرأة لممارسة الحوار بنجاح، وصناعة أولوياته المقنعة والمؤثرة، وكلما اتسعت آفاق الحياة والعلاقات الإنسانية أمامها فإنها بحاجة لتعلم مهارات جديدة ومتطورة لممارسة حوار أكثر قوة وفاعلية، وسنرى أنه كلما زاد وعيها، وتقدمت مكانتها الاجتماعية والتنموية والدولية اتسعت مؤهلاتها الحوارية، وتلعب ثقافة تطوير الشخصية دوراً مهماً في صقل مواهبها الحوارية. إذا كان العلم يوصلنا للعقل فالحوار يوصلنا لأفضل القرارات الممكنة، ولكى تصبح المرأة مشاركاً قوياً فى صنع القرار وتحترم المجتمعات خصوصيتها الفكرية والتنموية فلا بد وأن تكون عالمية في أفكارها، كونية في تصوراتها وأهدافها، فالمرأة العالمية هي التي تهتم دائماً بمجريات الأحداث من حولها وتحاور عالمها بكل جدية، وتنظر لذاتها بإيجابية تفاؤلية، أما المرأة الكونية فهي التي تمنح الكون من حولها السلام والتسامح من خلال طبيعتها الفطرية وخبرتها الدبلوماسية ورؤيتها الوسطية للإنسان والحياة والكون، وعندما ترتقى المرأة لمستوى تحديات عصرها ستنفتح لها آفاق المعرفة الواسعة، وحياتها ستكون أكثر استقراراً وسعادة. لا تزال هناك قضايا ومحاور كثيرة تفتقر لرؤية المرأة المميزة ولإسهامها في حل معضلاتها المتشعبة ففطرة المرأة النقية تفصح دائماً عن ذاتية واعية، وقليمية مؤثرة، وعالمية متوازنة، وكونية لا حدود لها. وحينما تمارس الحوار الإبداعي الحضاري يبدأ عقلها بالاشتغال، وتستقيم نظرتها للحياة والأحياء لكن الشهادة الجامعية وحدها لا تؤهل المرأة لحوارات لائقة بمستوى عصرها ما لم تطور قدراتها المعرفية، والإعلامية، والقيادية، إن المرأة تستطيع أن تجعل من عالمها منتدى للحوار يهيئ الأجواء للود، والسلام، وانشراح الصدور واطمئنانها فكيف لا تحاور عصرها ومعظم مشكلاته بسبب غياب الحوار العقلانى الصحيح، كما أنها تواجه الكثير من الاستفزازات والهجوم عبر مواقع التواصل المتعددة، إن الكلمة المستفزة لا تصيب المرأة بالحزن والضيق والهم والغم فقط بل إنها يمكن أن تفسد عالماً جميلاً بأكمله، كما أن مشكلات عصرها تمتد في سلسلة طويلة، ومقلقة، ومخيفة. يحتاج عصرنا إلى إدماج قدرات المرأة في الحوار كما نحتاج إلى الهواء لنتنفس، ونتحرك، فالحوار هو روح الحياة وغذاؤها، ولأنه مفتاح إيضاح الحقائق وإقناع الآخرين، وأداة تبادل الأفكار والمنافع وتحقيق المصالح، والتغلب على التصلب الفكرى والجمود التفكيرى وانسداد آفاق التفاهم والتعايش، ولأن استمرار الحوار يبقى مجتمعاتنا في حالة شبابية تنموية دائمة، أما غيابه، ونسيان دور المرأة الحوارية فيه، فإنه يعجل بشيخوخة هذا المجتمع، ولعل سؤال هذا المقال: (كيف تحاور المرأة عصرها؟) يسمح بالتناول المستقبلي الواسع لقدرات المرأة الحوارية كي يدرك العالم قيمة ومكانة وقدرات فراشته وزهرته الجميلة (المرأة) التي تنفتح آفاقها الحوارية فطرياً وتربوياً فتظل في حوار دائم مع مشاعرها، وقدراتها، وأهدافها، وغاياتها، ومع الناس، ومع الأحداث، ومستجدات العالم من حولها أملاً في أن تجعل منه عالماً سعيداً، وراقياً، وجميلاً، وأملاً في أن تجذب عصرها للإنجاز والتنمية. .