خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، الملك السابع للملكة العربية السعودية، عُرِف بثقافته العريضة، واطّلاعه الواسع، على التاريخ، وخاصةً العربيّ، وبالأخص التاريخ السعوديّ، يلمُّ بأدقِ تفاصيله، يعرفُ كلّ منعطفاته وأحداثه، يخبرُ مجرياتِه، يعشقُه، إذ عُرَف عن جلالته -يحفظه الله- حبه للتاريخ والمؤرخين، واهتمامه بهذا العلم قراءةً ونقداً ومتابعةً وروايةً وتصنيفاً ودعماً، ومن مظاهر هذا الاهتمام رئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، ورئاسته الفخرية للجمعية التاريخية السعودية، ورعايته لعدد من الندوات واللقاءات العلمية عن تاريخ المملكة العربية السعودية، وتاريخ الجزيرة العربية ودعمه للكراسي التي تدعم التاريخ بالجامعات. وما جائزة خادم الحرمين الشريفين لدراسات تاريخ الجزيرة العربية إلا شاهدٌ على مدى اهتمام الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بالتاريخ؛ ومن ذلك لُقّبَ ب»أمير المؤرخين»، وجلالته مُهندس المئوية؛ وذلك لذكرى مئة عامٍ على استعادةِ مدينة الرياض على يدِ والده المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، إذ كان هو -يحفظه الله- من فكّر وتابعَ وأشرفَ ونفّذ ذلك الحدث وذلك الاحتفال والاحتفاء بمرورِ مئة عام على فتحِ الرياض، واستعادةِ الحكمِ السعوديّ بعد مرورِ عشرِ سنواتٍ فقط من انتهاء الدولة السعودية الثانية؛ حيثُ ذكر في كلمته -يحفظه الله- بمناسبة المئوية حينما كان أميرًا لمنطقة الرياض «إن الاحتفالات بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة ستخرج من نطاق الاحتفالات التقليدية في مثل هذه المناسبات؛ لتتحول الى مناسبة لتحليل وإبراز المكاسب التي حققتها المملكة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتاريخية، وستكون فرصة لإبراز المكانة التي تبوأتها المملكة وثقلها في محيطها العربيّ والإسلاميّ والدوليّ، والمبادئ والثوابت التي تحكم سياسات المملكة والتي لا تزال تسير عليها إلى يومنا هذا والتي وضع قواعدها المؤسس الملك عبدالعزيز، وسنجعل من الاحتفالات أيضًا فرصة لأبناء المملكة وأجيالها المختلفة لاستذكار ما كانت عليه بلادهم من أحوالٍ قبل توحيدها وتأسيسها على يد الملك عبدالعزيز وما هي عليه الآن من تطور ونهضة شاملة تحققت خلال فترة وجيزة من الزمن لا تُقاس بما حققته شعوب أخرى على مدى قرون طويلة» (انتهى الاقتباس). ولقد كان لكاتب هذه السطور شرف أن يكون ضمن اللجانِ العاملة لإحياءِ ذكرى المئوية والتعريف بها. ولقد كان الملك سلمان -يحفظه الله- يتابعُ أدق التفاصيل؛ وهو المرجع الأساس لهذا الحدث الكبير، ولمَ لا وهو قد عايش الحدث منذُ نعومةِ أظفاره وسبر أغوار التاريخ، ومن هنا جاء الأمر الملكي الكريم ذو الرقم أ / 371 المؤرّخ في 24-06-1443ه لتحديد الثاني والعشرين من فبراير من كُلِّ عامٍ ليكون ذكرى يومِ تأسيسِ الدولة السعودية؛ إيمانًا واستشعارًا من جلالته -يحفظه الله- بالمسؤولية الجسيمة تجاه ذلك اليوم لتعيَ الأجيال قيمته؛ إذ هم يستظلون بظلّه بعد الله سبحانه وتعالى، وعليهم أن يحافظوا على مكتسابته، فهو منهم ولهم، ولأعقابهم؛ إذ هوَ اعتزازٌ بماضيهم واعتدادٌ بحاضرهم وأملٌ بمستقبلهم، فما تعيشه المملكة العربية السعودية من حضارةٍ وازدهار وتقدّمٍ مُذهل إلا نتاج دماء وعرق وتضحياتٍ جِسام ومتابعةٍ من أئمةِ آلِ سعود -رحمة الله عليهم- ومن الملوك الذين بنوا وشيّدوا ووضعوا اللبناتِ فوق اللبنات، وما زالَ البناء والتشييد ماضٍ، وما نشهدُ اليوم من تفاعلات ونهضةٍ غيرَ مسبوقة في ظلِّ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده القوي الأمين الأمير محمد بن سلمان إلا امتدادٌ لذلك التاريخ المجيد. وإذ نُحيي ذكرى يوم التأسيس؛ فإنما نُحيي ذكرى البطولات والمآثر والملاحم البطولية، نستذكرُ ذلك اليوم وندعو لمن آمن فيه، وعمل على إيصاله إلى ما نحنُ فيه. وما اليوم الوطنيّ للملكة العربية السعودية الثالث والعشرين من الميزان يوم توحيد المملكة العربية السعودية تحت اسمٍ نفخرُ ونُفاخر به الأمم إلا ختامٌ لسلسلةٍ من الأيامِ والأشهر والسنوات التي أوصلت البلاد إلى ما هيَ عليه اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين، الذي نشهد فيه قفزاتٍ في شتّى مناحي الحياة، سواء أكانت تعليمية أم صحية أم سياسية أم اقتصادية، وما الرؤية الوطنية 2030 إلا شاهدٌ على ما نعيشه ونُعايشه ونلحظه كُلّ يومٍ، وما ذكرى يوم التأسيس إلا ترسيخ لتاريخٍ عريق وامتداد لحاضرٍ مجيد ومستقبلٍ واعد بإذن الله، ومنه تُستلهم الدروس والعِبر ذات الأثر والتأثير، ومنه نستوحي رسوخ وثبات المنهج القويم، ويوم التأسيس يُذكّر بفضلِ أولئك الآباء والأجداد، فما نحنُ فيه اليوم إلا بفضلِ الله ثم بتضحياتهم، وما نشهدهُ اليوم من علومٍ وحضارةٍ ورُقي وازدهار ومباهاةٍ؛ إلا إيمان من أولئك الآباءِ والأجداد بأرضهم وبأهميةِ بناءِ إنسانٍ وبناءِ أمّة، فلأولئك العُظماء حقٌ على أحفادهم أن يذكروهم بدعوةٍ وصدقةٍ، ويرفعوا أكفّ الضراعة لله أن يغفر لهم ويرحمهم ويوسّع مدخلهم. إذ منذُ العام 1139ه الموافق 22 فبراير 1727م، والأمّة كُل الأمة تنعم أمنًا وخيرًا ورفاهً. فيومُ التأسيس ويوم الوحدة الوطنية يومانِ مشهودان عزيزانِ يُفخرُ بهما، وما تنعمُ به البلاد اليوم إلا ثمرة أكثر من ثلاثة قرون (300 عام) من الجهاد والتضحيات والبذل والعطاء؛ ومن خلال ذلك أُسست دولة وبُنيَت أمّة.