يتحول الإنسان بسبب الموت إلى فكرة مطلقة بعد أن كان إنسانًا زمنيًا يشارك في أحداث الحياة اليومية، وهذا التحول يجعل للموت هالة جمالية لأنه اشتمل بكليته على جزئيات مفككة كانت تقاومه عبر السنين حتى ضعفت أمامه فابتلعها وتحقق واقعيًا! الميت ينتقل إلى فكرة عند المتلقي، فلا يصبح قادرًا على تحقيق لحظة الحضور والمشاركة فيها، وهو بهذا لم يعد هدفًا نفعيًا لذاته، بل يُذكر ليُسرد عنه بعض جزئياته التي ابتُلعت، وهو بهذا يقوم بمهمة جمالية هي التوفيق بين العقل الذي يُعنى بالكليات والطبيعة التي تنحو إلى الجزئيات، فينتج عن اجتماعهما مانسميه ثقافيا: الذكر (الحسن أو القبيح لا يهم)، وهذا الذكر هو الناتج عن انصهار المعقول في المحسوس، فيتم التجانس بين حياة الميت الخاصة من خلال ذكر ما كانت عليه جزئياته الماضية التي كانت أثناء تفاعله مع الزمان، ودوره الفني الذي أصبح متشكلًا له بعد موته من خلال ما يُعمل من أجله دون الحاجة لمنفعة مباشرة منه، وبهذا يصبح الموت مُحررًا للإنسان من الصناعة والتقليد، ومحقق له خاصية التلاحم مع الروح المطلقة. الموت بهذه السردية يُحقق الصورة المثالية التي تتمثل بالمشاركة في العقل الأزلي القابع في الموجودات بذاتها لتتكون حقائق الأشياء، فتصبح صورة الموت محايثة لنا من خلال مشاركاتنا للميت أحداثنا وكأنه بيننا (مثل الذين يناجون الميت لعظيم قدره عندهم)، فصورة الموت تنتقل من عالمها العلوي المفارق، إلى عالمنا السفلي المحايث، وهذا بفضل الصورة التي أصبحت مطبوعة للميت بإدراكنا، وبطبيعة الحال سيشكل هذا تأسيسًا لعقل مختلف عند القريب من الميت فيصبح الموت سببًا لتغيير أفكار ما كانت لتتغير لولا هذا الحدث الجمالي.