يُعد عبدالله بن علي بن مسفر -رحمه الله- من مؤرخي منطقة عسير في العصر الحديث، بل وفي القرن الماضي الهجري، حيث كان أحد المراجع الذين يرجع إليهم في المنطقة، وأحد الأعلام والشخصيات والوجهاء، فهذا الاسم ليس بالمغمور إطلاقاً. وقد تواصل معي د. محمد بن عبدالله بن مسفر أحد أبناء المؤرخ عبدالله وزودني بسيرة والده ومحطات ورحلة حياته التي امتدت خمسة وثمانين عاماً بعد ما ملأ مجتمعه طيباً من الذكر والسمعة الحسنة العطرة المشرقة. وشخصية عبدالله بن مسفر مخضرمة ومعاصرة لأحداث كبيرة، وقد عاصر ما قبل ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عسير وبعد الانضمام للدولة السعودية الثالثة، وأصبحت جزءاً من هذا الكيان الكبير. وقد أشرت إلى مؤرخنا هذا في مقالي عن ابنه علي بن عبدالله بن مسفر الذي توفي عام 1380ه، مؤسس أول وكالة للطيران السعودي في أبها، والذي تولى بعده الوكالة والده الشيخ المؤرخ عبدالله بن مسفر حتى عام 1383ه كما صحح لي هذه المعلومات ابنه د. محمد بن عبدالله بن مسفر فله مني جزيل الشكر والتقدير، وقد ألقى بحثاً عن والده بالنادي الأدبي في أبها. وعبدالله بن علي بن مسفر من مواليد 1320ه في مدينة أبها، وطلب العلم على يد والده الشيخ القاضي علي بن مسفر، فهو قد نشأ في بيت علم ومعرفة وكان من مصادر معلوماته دراسته في المدرسة الرشيدية، وكانت هذه المدرسة من موادها تدريس اللغة التركية، فتعلم المؤرخ ابن مسفر هذه اللغة كتابة وتحدثاً، وأمضى في هذه المدرسة مدة من الزمن حسب المنهج والنظام الذي كانت تسير عليه. احتفال وجولة بعدما أن انتهى عبدالله بن مسفر -رحمه الله- من الدراسة بالمدرسة الرشيدية ابتهج بهذه المناسبة كثيراً، يقول د. محمد بن عبدالله بن مسفر في نبذته عن والده: تخرجوا بتفوق - يعني والده ومن معه من زملائه -، وتم الاحتفال بهم في مدينة أبها، ثم نظم لهم جولة تصطحبهم ثلة من الجنود إلى قبائل قحطان وشهران وبني شهر ورجال ألمع تشجيعاً لهم - انتهى كلامه -، وهذا الاحتفال كأنه مسيرة التخرج يوم أن كانت الأمية هي الغالبة آنذاك والذين يحسنون القراءة والكتابة قليلون. ولا شك أن الحدث كان كبيراً في المنطقة حيث خرّجت هذه المدرسة ثلة من أبنائها الشباب الناشئة ولا ريب أنها فرحة بهؤلاء الفتية من مدينة أبها قبل 80 عاماً تقريباً. مؤرخ عسير والمؤرخ والأخباري الثقة عبدالله بن علي بن مسفر -رحمه الله- كان قد ألف كتاباً عن عسير بعنوان (السراج المنير في سيرة أمراء عسير)، وهذا الكتاب كانت فكرته قديمة جداً كما يذكر ابن مسفر في مقدمة كتابه، فكان أمير عسير تركي بن أحمد السديري والمؤرخ ووكيل وزارة الخارجية فؤاد حمزه هما اللذان حثّا عبدالله بن مسفر على تدوين تاريخ عسير، ومن تلك الساعة بدأ ابن مسفر يدوّن ما تختزنه ذاكرته من معلومات تاريخية ومن اطلاعه على المراجع القديمة وما تحويه مكتبته من وثائق ومن معاصرته لكثير من الأحداث والوقائع التاريخية ومن خبرته بالمنطقة جغرافياً، بدأ يدون كتابه هذا حتى انتهى منه عام 1371ه، ومن حرص المؤرخ عبدالله بن مسفر على مادة الكتاب فقد عرضه على المؤرخ حمد الجاسر فحثه الجاسر على نشره وإذاعته، ولكن ظروفاً حالت دون نشره، وبعد ما يقارب عقدين ونصف من الزمن كتب حمد الجاسر مقالة في مجلته العرب عام 1396ه يحث ابن مسفر على سرعة نشر الكتاب وتم النشر. أمانة علمية وكتاب (السراج المنير في سيرة أمراء عسير) طُبع طبعة أولى، ولم يطبع طبعة ثانية، وليته يطبع مرة أخرى، وهذا نداء إلى ابنه د. محمد بن مسفر ولعل النادي الأدبي في أبها يتولى طباعته تحت إشراف ابنه د. محمد، فالكتاب من أوائل الكتب الحديثة في تاريخ عسير كتبه أحد أبنائها الثقات العلماء. وقال عبدالله بن مسفر -رحمه الله- عن منهجه في كتابه هذا: لذلك اعتمدت على الله، وقمت بتدوين تاريخ مقاطعة عسير -سراة عبيدة وتهامة، عهد الدولة السعودية قديماً وحديثاً- واستفدت في عملي هذا من الكتب المعروفة والمراجع المشهورة وما رأيت روايتين متعارضتين إلاّ أخذت بأصحهما وأسندت الرواية إلى أصحابها للأمانة العلمية، وشدة حرصي على التثبت في النقل - انتهى كلامه -. مصدر مهم والمؤرخ عبدالله بن مسفر -رحمه الله- أخذ عن رواة عاصرهم وقد قسم المؤرخ كتابه هذا على أبواب وفصول، الباب الأول: الحياة الطبيعية، والباب الثاني: اسم قبائل عسير قديماً وحديثاً، ومن الفصول: أسماء أمراء مناطق عسير في عصر ظهور الدعوة السلفية، والباب الثالث: تاريخ المنطقة الحديث، إلى آخر ما في الكتاب، وقد استرسل بذكر الحوادث والوقائع في تلك العصور والأزمنة ذاكراً لكل أميرٍ ما حدث له من وقائع، والكتاب مصدر مهم ومرجع لمنطقة عسير، كتبه مؤرخٌ عارف بالمنطقة وأحداثها وأخبارها القديمة والحديثة، وله كتاب آخر اسمه أخبار عسير لم أطلع عليه، وليته يطبع، وأعتقد أن المؤرخ عبدالله بن مسفر قد نثر فيه أخباراً مهمة تاريخياً، فابن مسفر راوٍ ثقة، مؤتمن، وقد اعتمد الرواية التي يطمئن إليها في تاريخه، وفي كتابه هذا أخبار عسير. من روّاد التعليم وعبدالله بن مسفر -رحمه الله- مارس التعليم في عسير قبل افتتاح المدرسة النظامية، فهو من رواد التعليم الأوائل واستحق بذلك الريادة التربوية والتعليمية؛ لأنه زاول التدريس منذ وقت مبكر، ويذكر د. محمد بن عبدالله بن مسفر أن مجموعة من رؤساء الدوائر في مدينة أبها ومنهم والده المؤرخ عبدالله بن مسفر قد مارس التدريس وذلك قبل حلول التعليم النظامي الحكومي تبرعاً منهم وأسسوا بذلك مدرسة أهلية ثم تأسس التعليم النظامي أول مرة عام 1355ه. برقية تسمية المملكة وعندما ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- منطقة عسير إلى حكمه عاشر عبدالله بن مسفر -رحمه الله- مرحلة التأسيس وبسط الأمن والاستقرار في عسيروجازانونجران، وشارك إبان ضم نجران إلى هذا الكيان وشارك في حملة الريث في منطقة جازان. وكتب عبدالله بن مسفر برقية تأييد اقتراح إلى الملك عبدالعزيز على تسمية إطلاق اسم المملكة العربية السعودية، وكانت البرقية من مشايخ منطقة عسير وكتبها ابن مسفر بخط يده. والمؤرخ ابن مسفر شارك كعضو في اجتماعات الوفد السعودي - اليمني، وعقد هذا الاجتماع في مدينة أبها بتاريخ 2 /11 / 1352ه، وهذا الاجتماع كان من أجل الحدود السعودية اليمنية، وهو الذي كتب محاضر هذه الاجتماعات، فهو مؤرخ معاصر لهذه الأحداث وشاهد عصر لتلك القضايا فهو من مصادرها، وكُلّف عبدالله بن مسفر بمهمة بتوجيه من الملك عبدالعزيز ومن تركي بن ماضي إلى جازان. وجاهة وحضور وعبدالله بن مسفر - رحمه الله - كان شخصية ذات وجاهة وحضور في مجتمعه، وأحد أعيان المنطقة وكبارها، فكان له دور بارز في القضايا القبلية، وخصوصاً في مسائل إصلاح ذات البين، وقد اتصف بالحكمة وسداد الرأي، وكان ذا عقلية تستوعب الناس فهو رجل اجتماعي يحب مجتمعه ويسعى إلى كل خير لهم، وكان عضواً في المجلس البلدي، وله أدوار في الجوانب الثقافية، فكان إيجابياً في كل ما من شأنه في الصالح العام لوطنه ومجتمعه، وهنيئاً لمن كان مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر. وبعد مدة من الزمن تعيَّن عبدالله بن مسفر في أول وظيفة له حكومية كاتباً في إمارة أبها -حالياً إمارة منطقة عسير- مع أمير المقاطعة عبدالله بن عسكر وكان مدير مكتبه، ثم تولى عبدالعزيز بن عسكر الإمارة بعد أبيه واستمر المؤرخ عبدالله بن مسفر معه. هيئة التمييز وبعد أن أمضى في إمارة أبها أحد عشر عاماً تعين عبدالله بن مسفر -رحمه الله- في مالية أبها عام 1353ه مساعداً لرئيس مالية أبها، فكان يقوم بأعباء الإدارة، وكان رئيس المالية عبدالوهاب أبو ملحة، وكان معه في كل رحلاته المتعلقة بشأن العمل وخصوصاً مقابلات عبدالوهاب مع الملك عبدالعزيز، وقد بذل المؤرخ والإداري الناجح عبدالله بن مسفر جهده وطاقته في هذه الإدارة ومكث فيها اثنين وعشرين عاماً، وفي عام 1375ه أحيل على التقاعد بناء على طلبه. وصدر قرار تعيين عبدالله بن مسفر -رحمه الله- برقم 5 /3 / 555 وتاريخ 27 /6 / 1360ه من الأمر الملكي وتكليف نائب الملك عبدالعزيز في الحجاز ابنه سمو الأمير فيصل -الملك فيصل فيما بعد- برقم 4843 وتاريخ 2 /12 / 1360ه عضواً في هيئة التمييز، وهذا التعيين دليل على ثقة الملك المؤسس وأبنائه بكفاءة ابن مسفر وقدرته الإدارية. وكما قلت إن المؤرخ عبد الله بن مسفر تولى وكالة الطيران بعد وفاة ابنه علي بن مسفر عام 1380ه، ومن هذا التاريخ كان عبدالله بن مسفر يتولى شؤون الوكالة حتى 1383ه، ثم فُتح مكتب رسمي للخطوط السعودية في أبها، وانتهى عقد الوكالة الذي التزم به عبدالله بن مسفر -رحمه الله-. تكريم ابن مسفر وأقيم في النادي الأدبي بأبها تكريم للمؤرخ عبدالله بن مسفر -رحمه الله- من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز -أمير منطقة عسير سابقاً- بتاريخ 16 /6 / 1428ه. ولم يكن المؤرخ عبد الله بن مسفر مهملاً للجانب الخيري في حياته، بل ساهم ودعم هذا العمل بشكل كبير، يقول د. محمد بن مسفر عن والده: إنه أتم بناء ما يقارب أحد عشر مسجداً قبل وفاته، وله العديد من أعمال الخير، حيث كان يقوم بحفر الآبار لتوفير مياه الشرب للمحتاجين في المناطق النائية، وبعد وفاته أكمل أبناؤه ما بدأه من أعمال خيرية -انتهى كلامه-. وبعد هذه الرحلة الطويلة في الحياة والعطاء المتواصل رحل عبدالله بن مسفر عن عالم المشاهدة إلى عالم البرزخ، حيث توفي بتاريخ 29 /9 / 1405ه في سيد الشهور رمضان، رحمه الله وعفا عنه وغفر له. أشكر د. محمد بن عبدالله بن مسفر على تزويدي بسيرة والده العطرة وتصحيحه لي في المقال السابق الذي كتبته عن علي بن عبدالله بن مسفر، وفقه الله لكل خير. ابن مسفر كان ذا وجاهة وحضور في مجتمعه د. محمد بن عبدالله بن مسفر أسماء أعضاء هيئة التمييز في أبها ومنهم عبدالله بن مسفر كتاب السراج المنير في سيرة أمراء عسير تأليف ابن مسفر وُلد عبدالله بن مسفر 1320ه في أبها منزل ومزرعة عبدالله بن مسفر في حي الربوع بأبها