يتحول سالم باحميش تدريجياً علامة من علاماتنا في المسرح وتوقيع من تواقيعه التي حين تحضر لا يمر فعلها المسرحي مرور الكرام. في العلا، وفي عز الجائحة كان ينقب في أغوار المكان والتاريخ ليقتفي أثر الأنباط مسرحياً ويصنع وجوداً مسرحياً مهيباً بمسرحية (شُقلّية) ويسجل حضوراً باهراً خطف إعجاب الحضور من الجمهور القادم من مختلف أصقاع الدنيا. عاد من هناك بتجربة غنية وخبرات متراكمة جعلته يغزو بتجربته مكاناً آخر مع مبدعين من الطراز الفاخر كإبراهيم طالع الذي يجسد المعنى الحقيقي للوجدان الملتصق ببيئته؛ حتى إنه حين يحكي تعود إلى ذاكرتنا أصوات منسية وقصص عتيقة روتها الجدات الغائبات في عشيات القرى النائية، أو تداولها الناس في ثنايا حكاياتهم اليومية. وحين ينضم لإبراهيم طالع وسالم باحميش الغزير علي مغاوي المثقل بالموروث تنغمس الحكايا في تفاصيل الدهشة التي تجعلنا نُصغي تمام الإصغاء لتوليشة غائرة في مداءات الجمال، وتسرح العين مدى الجبال الشاهقة وتتوقف اللحظة عند خاصرة قرية رُجال المفتوحة على الحياة والمشرعة على أبواب الحلم. يتعالى أفق انتظار الحالمين التواقين إلى عمل مدهش يجمع هذا الثلاثي المسافر في عوالم الفن فتولد مسرحية (رجال الطيب) وهي مسرحية من فكرة طالع ومغاوي وإخراج سالم باحميش والتي احتضنتها محافظة الجمال رجال ألمع. قيمة هذا العمل الذي اجتاح بدهشته البصرية وسائل التواصل في أنها تأتي بوقتها المناسب تماماً حيث تتعالى أهمية ربط الفن بالتراث وتزداد الحاجة للغوص في حكايات الأماكن بمشاغبة جميلة وواعية، ليأتي بها في سياق فرجوي أخاذ مدفوعة برغبة جادة في توسيع مكانة الفن في حياتنا. تشكل (شقلّية) و(رجال الطيب) امتداداً لوجودنا حيث لا يمكن تخيل وطن عظيم دون هوية مسرحية راسخة، وهذا يجعلنا نتيقن أكثر أننا أمام فرصة مثالية لصناعة الفن عموماً والمسرح على وجه الخصوص، وإنتاج أعمال من هذا النوع يخرج المسرح من ربقة الخشبة إلى الشرفات والمساريب والطرقات التي يرتادها الناس.