من نافلة القول، تُعد الأممالمتحدة مرجعًا أخلاقيًّا وقانونيًّا وتنمويًّا لحكومات العالم، وأن سياسات العمل في مؤسسات الأممالمتحدة تشدد على مكافحة التدليس والفساد. لكن التقارير المتداولة هذه الأيام تؤكد أن مسؤولين وموظفين أمميين مارسوا التدليس والفساد، وشاركوا في صنع أكبر كارثة إنسانية في اليمن. فبدلاً من أن تعمل المنظمة الأممية على الحد من الأزمة الإنسانية، تسترت على أسبابها الحقيقية، وأسهمت في تفاقمها، وفق ما كشفت تلك التقارير التي تثبت أن هناك انعداما للشفافية في بعض المؤسسات التابعة للأمم المتحدة عبر المنظمات القائمة على المشاريع الإنسانية، ذلك انه لا توجد لديها برامج واضحة عن حجم الدعم والمشاريع التي تقوم بها هذه المنظمات فمنذ شهر ديسمبر الماضي ظهرت كثير من التقارير عن فساد ومخالفات في عمل منظمات تابعة للأمم المتحدة تؤدي أدوارًا في اليمن، ففي تحقيق لها، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن تورُّط أكثر من عشرة عمال إغاثة تابعين للأمم المتحدة في اليمن بقضايا نهب وفساد، إضافة إلى اتهامات بالتعاون مع المتحاربين من مختلف أطراف النزاع للاستفادة من مليارات الدولارات من المساعدات المتبرع بها لليمن، مما اضطر الوكالة والتي قالت إنّها حصلت على وثائق تحقيقات داخلية لمنظمات الأممالمتحدة، أن تقول ان منظمة الصحة العالمية تحقق في عدد من المزاعم، بينها توظيف أشخاص غير مؤهلين برواتب عالية. نعم، لا يمكننا أن نحمل الحكومة اليمنية المسؤولية الكاملة عن ذلك فهي وبسبب التجاهل المتكرر من جانب المنظمة الدولية، قامت الحكومة في عدن برفع شكوى واضحة وصريحة جدا إلى الأمين العام من أجل التوضيح والمكاشفة حول الفساد ومصير المليارات من المساعدات التي تقدمها الدول لليمن شمالا وجنوبا. حيث تتهم الحكومة اليمنية المنظمات الأممية بأنها تنفق أكثر من ثلث المساعدات على النفقات الإدارية، كما تتهم الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران بأنها تقوم بالسطو على أغلب المعونات لتقديمها للموالين لها إلى جانب تسخير جزء كبير منها لمقاتليها في الجبهات. بل اننا اليوم نلاحظ أنه وفي الوقت الذي تكرر فيه المنظمة الدولية الحديث عن المجاعة في اليمن، نجدها لا تغير من الواقع شيئا على الأرض، فلم نسمع عن ترشيد النفقات التشغيلية أو تخفيض الرواتب. تقارير كثيرة طالعتها هنا في واشنطن تتحدث عن فساد الاممالمتحدة ومبعوثها الخاص في اليمن من خلال فساد كبير ومهول على حساب اليمنيين وتلك التقارير تدل على الفساد والنهب والتجويع وكثير من الوسائل التي تمارسها الأممالمتحدة ومنظماتها التي تعمل في اليمن وان كل المبالغ التي تتحصل عليها الأممالمتحدة ومنظماتها من قبل المانحين والداعمين والتي كان من المفترض أن يقدموا تلك الاموال لليمنيين ولحكومة اليمن وكان هذا سيحسن الوضع المعيشي والانساني لم تم توريد تلك الاموال للبنك المركزي اليمني في عدن من قبل الداعمين والمانحين. وبمعنى آخر أصبح اليمن يعيش في أسوأ مجاعة إنسانية ومعيشية نتيجة عدم تقديم العون والمساعدة مباشرة عبر الحكومة التي تعتبر الجهة الرسمية التي يجب أن يتم تقديم المساعدات من المانحين والداعمين بدلاً من تقديمها للأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن والتي أصبحت تلك البعثات والمنظمات تتحصل على مساعدات باسم اليمن واليمنيين ولم تحقق أي شي لصالح اليمنيين في تحسين الإغاثة الإنسانية والوضع المعيشي نتيجة تدهور العملة المحلية وعدم وجود العملة الصعبة في البنك المركزي التابع للحكومة. التقارير الاميركية والتي لا تنتهي حول هذه القضية تبدأ بتحقيق استقصائي نشرته وكالة أسوشيتد برس الأميركية قبل سنتين أكدت فيه وجود تلاعب يمارسه مكتب الصحة العالمية واليونيسف في صنعاء، شمل الموافقة على عشرات العقود المشبوهة دون الأوراق المطلوبة، وان أطنانا من الأدوية والوقود المتبرَع بهما ذهبت في عِداد المفقودين وكان من بين المتهمين بالتلاعب، رئيس مكتب الصحة العالمية في صنعاء نيفيو زاجاريا، حيث كتب التقرير إنّ مكتب الصحة العالمية عندما كان تحت قيادة زاجاريا كان مليئا بالفساد والمحسوبية، وانه استعان بموظفين مبتدئين سبقوا ان عملوا معه في الفلبين وانه رفعهم إلى وظائف ذات رواتب عالية رغم أنهم غير مؤهلين وان اثنان منهم كانت مهمتهما رعاية (كلب) المسؤول الأممي. بل ان التحقيق تحدث عن قيام موظف في منظمة اليونيسف يدعى خورام جافيد بمساعدة قيادات من ميليشيات الحوثية في التحرُّك وحمايتهم من الغارات الجوية بل وسمح للقيادات الحوثية باستخدام مركبات تابعة للوكالة الأممية، وهذا أعطى فعليًا، بحسب تحقيق الوكالة، الحماية الرسمية للقيادات الحوثية من الغارات الجوية التي شنها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. منذ العام 2014 وكل المراقبين يلحظون اضطرابا في كيفية تعاطي الأممالمتحدة في اليمن مع الأزمة اليمنية، سواءً في شقها السياسي أو الإنساني، ولا ينسى اليمنيون ما رأوه من أداء المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، فإضافة إلى فشله المزمن في دفع فرقاء الصراع إلى استئناف المسار السياسي بما يؤدّي إلى إيجاد حل جذري ينهي حالة الحرب فقد لاحظنا كمراقبين انه اكتفى بتسويق مبادراتٍ وتسوياتٍ جزئية أسهمت في تشتيت الحل السياسي بما في ذلك الصراع، إلا أن الأكثر كارثيةً في أداء المبعوث الأممي هو انحرافه عن دوره الوظيفي الذي ينحصر في تقريب وجهات النظر بين فرقاء الصراع إلى دفع قوى اجتماعية غير مؤثرة في الصراع المحلي إلى الواجهة السياسية، وتسويقها باعتبارها جزءا من ضرورة الحل السياسي. خلال حوار لي مع احد اعضاء الكونغرس هنا في واشنطن قال لي أن حالة الفشل الوظيفي للمبعوث الأممي انعكست على أداء هيئات الأممالمتحدة الأخرى العاملة في اليمن، بحيث عملت منظومة الأممالمتحدة بكل الوسائل على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، سواء في الشق السياسي أو الإنساني، إذ تتبع هيئات الأممالمتحدة الإغاثية آلية عمل تعتمد بالمجمل على حلولٍ آنية لا تقدّم حلا جذريا لحالة الفقر في اليمن ودعم الفئات الأكثر احتياجاً وضعفاً إذ تورّطت بعض منظمات الإغاثة الأممية العاملة في تغذية الحرب في اليمن، من خلال توزيع الإغاثة لأسر المقاتلين في جبهات الحروب، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، أو في مناطق الحكومة اليمنية، بما في ذلك مناطق المواجهات، ما يجعلها داعما رئيسا للحرب. في خلاصة فإنه من المؤسف أنه وفي واقع الفقر المدقع الذي يعانيه معظم اليمنيين أن يستمر هدر كل هذه الأموال المرصودة للعملية الإنسانية في اليمن، وتُجمع باسم اليمنيين لفعالياتٍ لا تخدم مصالحهم، وأن تكون منظمات الأممالمتحدة جزءا من منظومة الفساد، بحيث لا تختلف عن سلطات الحرب، كونها تتغذّى على استمرار معاناة اليمنيين، إذ إن السخط وحده لا يكفي هنا، كي تدرك الأممالمتحدة أن ما تفعله باليمنيين لا إنساني ولا أخلاقي. وليس هناك من حل سوى دعوة جميع الدول والداعمين والمانحين وقف دعمهم من مساعدات انسانية ومبالغ تقدم لتلك المنظمات الدولية بل يجب دعم اليمن واليمنيين عبر الحكومة من أجل تحسين الاوضاع الانسانية والمعيشية لجميع أبناء اليمن في المناطق المحررة والمناطق التي تسيطر عليها الميليشيا من خلال صرف المعاشات لمجميع الموظفين والمتقاعدين في جميع أنحاء اليمن وكذا تحسين العملة أمام العملات الاجنبية وتحسين الوضع الانساني ويكفي المنظمة الدولية خزيا انه تم الكشف في تقارير سابقة عن استخدام قيادات حوثية لطائرات تابعة للأمم المتحدة للانتقال إلى خارج صنعاء والعودة إليها باعتبارهم ناشطين في منظمات حقوقية يمنية واستجابة مسؤولين في المنظمات الدولية العاملة في اليمن لضغوط حوثية لفرض بعض الموالين للميليشيا للعمل في المنظمة الدولية.