الطقوس تعني التراث المتواتر المصاحب لعمل اجتماعي متكرر أو عادات سائدة، وللقهوة العربية طقوسها الخاصة في صحراء العرب وقراهم إلى وقت قريب، ولاتزال هذه الطقوس موجودة وإن خفت مظاهرها كثيرًا في العصر الحديث.. مقاربات بين الشعبي والفصيح ومما تشمله طقوس القهوة عند العرب أدوات إعدادها (المعاميل) وأهمها البُن والهيل والمسمار والزعفران.. والدلة(مشتقة من التدليل لأنهم يدللونها بالعناية ويعتبرها بعضهم معشوقة شكلها مثل قدّ الفتاة الممشوق ولونها ورقبتها كالغرنوق ذي الرقبة الطويلة الجميلة، والدلة مشتقة أيضًا من الدلالة على الكيف والكرم، ومن المعاميل النجر أو المهباش ولهما جرس يطرب له السامعون ويفخرون، ويعتبرونه دعوة للضيافة والمسامرة والكيف، والفرق بين الاثنين أن يد النجر نحاس والمهباش يده خشب صلب، وهناك المحماس وهو إناء مجوف مصنوع من حديد أو نحاس وله يد طويلة رأسها نصف دائرة يتفنن العربي في حمس القهوة وتحميصها وتحريكها بيد المحماس على النار وهو مغتبط برائحتها وتقليبها والتحديق في تغير لونها وجمال النار تحتها فربما سرح وقتها مع الخيال وأطلق الأشعار في غناءٍ ذاتي أو افتخار.. وفي الحاضرة طقوس أخرى للقهوة أهمها (الوجار) و(الكمار) المبني من الجص المزخرف بأرفف تزدان ببريق الدِّلال، وتحته (المشَبّ) مشتبك بدولاب الجدار مُجمل الحدود، يجلس بجانبه مُعد القهوة وهو راضٍ محبور مرحب بالضيوف في مجلس مُزيّن بالأثاث غالبه من الصوف ذي الألوان.. ارتبطت القهوة لدى العرب، باديةً وحاضرة، بالكيف والكرم والسَّمر والشعر، ويختص بإعدادها الرجال في الغالب، بينما تقوم النساء، وقتها، بأشق الأعمال، فالعربي خاصةً في البادية يقضي الوقت الطويل في إعداد القهوة وحمسها واحتسائها ومسامرة الضيوف واجترار الذكريات والحكايات، وعلى المرأة إعداد الطعام والعناية بالأطفال وحلب الأغنام واستخراج الزبد وصنع الإقط بل وغزل بيت الشَّعر كاملًا، قال العربي القديم: يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ضُمِّي إِلَيْكِ رِحَالَ الْقَوْمِ وَالْقِرَبَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ لاَ يُبْصِرُ الْكَلْبُ فِي ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَلُفَّ عَلَى خَيْشُومِهِ الذَّنَبَا ويستدل النقاد بقوله (غيرَ صاغرةٍ)على إكرام العربي لزوجته! قلت:أي إكرام وقد أمرها في ليلة مطيرة مثلجة ظلماء بأن تحمل أثاث ضيوفه وأسلحتهم (القربا) إن لم يكن المراد بها قرب الماء الجامد من برد هذه الليلة الظلماء التي رفض فيها الكلب القيام بعمله وهو الشديد الطاعة والوفاء لكنه لا يكاد ينبح مرةً مُرحباً حتى يشق البرد حلقه شقّا ويجمّد خشمه تمامًا فيصمت مرعوبًا ويُذهل من شدة البرد والظلام الذي لا يرى فيه الكلب حتى طنب الخيمة مع حدة بصره، فيقرر العصيان مهما كان والامتناع عن العمل ويلف ذنَبه على خشمه بحثًا عن بعض دفء يحفظ حياته، ويسد فمه خوف الموت يا روح ما بعدك روح!أما المرأة فيجب أن تحمل الأثاث والقرب في زمهرير الشتاء ودامس الظلام وتساقط الأمطار ثم تقوم بإعداد الطعام! فأيُّ إكرام؟! والحق أن العربي القديم يقوم، رغم تكليفه المرأة بأشقّ الأعمال، بعمل مهم وهو القتال وحماية الأسرة والقبيلة والحلال حين كان يسود في الصحراء قانون الغاب.. وعودة للقهوة فإن طقوس العرب في إعدادها بشكل مفصل ووقت طويل، والاهتمام بها صباحَ مساء، يدل على الكرم والبحث عن الكيف وطرد ضجر الصحراء والقرى، ويدل على الفراغ أيضًا، خاصةً في الليل الطويل حيث لا كهرباء ولا كتب ولا راديو ولا تلفزيون أو تلفون.. ومن روائع وصف القهوة قول محمد القاضي: يا مل قلبٍ كل ما التمّ الاشفاق من عام الاول به دواكيك وخفوق إلى عنَّ له تذكار الأحباب واشتاق باله وطف بخاطره طاري الشوق قربت له من غاية البنّ ما لاق بالكف ناقيها عن العذف منسوق إحمس ثلاثٍ يا نديمي على ساق ريحه على جمر الغضا يفضح السوق حذراك والنيّة وبالك والاحراق واصحا تصير بحمسة البن مطفوق الى اصفر لونه ثم بشّت بالاعراق صفرا كما الياقوت يطرب لها الموق وعطّت بريح فاخرٍ فاضحٍ فاق ريحه كما العنبر بالأنفاس منشوق دقّه بنجرٍ يسمعه كل مشتاق راع الهوى يطرب إلى دق بخفوق ولجّمه بدلة مولعٍ كنّها ساق مصبوبةٍ مربوبة تقل غرنوق خله تفوح وراعي الكيف يشتاق إلى طفح له جوهر صح له ذوق وزلّه على وضحا بها خمسة ارناق هيلٍ ومسمارٍ بالأسباب مسحوق مع زعفران والشّمطري إلى انساق والعنبر الغالي على الطاق مطبوق إلى اجتمع هذا وهذا بتيفاق صبّه كفيت العوق عن كل مخلوق بفنجال صينٍ زاهيٍ عند الارماق يغضي بكرسيّه كما اغضاي معشوق إلى انطلق من ثعبته تقل شبراق رنقٍ تصوّر بالحمامة على الطوق شكّل على الفنجال لونه إلى راق دم الغزال الى انمزع منه معلوق ذوقه الى منّه تسلسل بالارياق عليه من ما صافي الورد مذلوق راعيه كنّه شاربٍ ريق ترياق كاس الطرب وسرور من ذاق له ذوق الاستمتاع بحمس القهوة صبّه كفيت العوق عن كل مخلوق (الوجار) و(الكمار) يزدانان بأباريق ودلال