إن الكرم من الصفات التي اشتهر بها العرب قديماً وحديثاً البادية منهم والحاضرة على السواء إلا أن الكرم في البادية أجلى وأظهر وكان الممدوحون من الرجال يمدحون بالكرم والندى والسخاء ويشبهون بالغيث والقطر والبحر والفرات وما إليها. وكان العربي يرتاح إلى الكرم ويهش لذكره ويطرب إذا نعت به وكان الكرم يبدو أكثر ما يبدو في قرى الضيف في هذه البادية المقفرة الغبراء التي لا تكاد تطاق وكان قرى الضيف ولا يزال واجباً على المضيف موسراً كان أو معسراً وكان الرجل منهم قد لا يملك من مال الدنيا إلا شاة بها بلاغه أو ناقة عليها معاشه فيقوم إليها فيعقرها أو ينحرها متى حل به ضيف اكراماً له واتقاء لسوء الذكر وقبح الأحدوثة بين الناس. ولعل الأبيات التالية التي يصف بها الحطيئة أحد الكرام المعدمين وقد حل به ضيف ولم يجد ما يطعمه وحوار ابنه معه خير شاهد على ذلك: حفاة عراة انهك الجوع جسمهم وما عرفوا للزاد مذ امسهم طعما رأى شبحاً وسط الظلام أبوهم فلما رأى ضيفاً تشمر واهتما وقال: أيا رباه ضيف ولا قرى بحقك لا تحرمهم الليلة اللحما فقال ابنه لما رآه بحيرة أيا أبت أذبحني ويسر لهم طعما ولا تعتذر بالعدم عل الذي أتى يظن لنا مالاً فيوسعنا ذما وكانوا إذا افتخروا فإنما يذكرون ضيوفهم وقراهم وحفاوتهم بهم وترحابهم وحسن لقائهم فقد قال الشاعر: أقول والضيف مقضي ذمامته على الكريم وحق الضيف قد وجبا يا ربة البيت قومي غير صاغرة ضمي إليك رحال القوم والقربا في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة حتى يلق على خيشومه الذنبا وكانوا يوقدون النار ولا يزالون في الليالي الباردة المظلمة كي يراها الضيوف من بعيد فيقبلون إليها. وهذا حاتم الطائي يقول: اوقد فإن الليل ليل قر والريح يا غلام ريح صر عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حر والحقيقة أنه لولا عادة قرى الضيف واكرامه في البادية لكان العيش فيها لا يطاق. وللضيافة لدى البداة قواعد ثابتة يتوارثها الخلف عن السلف فاحترام الضيف وحمايته من المسائل المسلم بها في بلاد العرب وحق الحماية ثلاثة أيام وحقوق الضيافة ثلاثة أيام أيضاً. يتبع