هل أضيف جديدًا، حين أنحاز لما أحب فأقول إن الشعر أحد أهم مكونات الجوهر الإنساني.. كوّة من الأمس والغد.. الأحلام والذكرى.. الأثر والخلود، الحقيقة ورحلة البحث عنها، نعم هم الشعراء _ ربما وحدهم _ أولئك الذين يقومون برحلات متتابعة نحو الجوهر الإنساني ثم لا يعودون منه إلا ببخور أرواحهم، لهذا سيبقون دائماً أحد أهم مصادر توثيق الوجود حين يتركون في قصائدهم يومهم وفي تداعياتهم أمسنا جميعاً، وفي استشرافهم ما لا نراه دونهم... ربما كان في هذا انحياز لما ادّعيت دائماً وقضيت له وبه ومعه أكثر من ربع قرنٍ من الزمان، لكنني تساءلت دائماً على المستوى الخاص .. ماذا لو لم تكن شاعرًا ؟ هل سيكون للشارع وجه آخر يحدّثك عن ظلال المتعبين..، هل سيكون المطر غير منزلقٍ لهواجسك المنهكة بالعزلة، حين تبني فيه وحدك كوخًا في قوس قزح.. حيث تحاور من على هضبة غيمةٍ نجمةً خائفةً من عراء السماء، أو أخرى ضلّت طريقها إلى الأرض،.. . بل هل سيكون لهذه المدينة الخرسانية الصامتة صوت فيروز وقصائد جبران؟ إنها أسئلة لإجابات لن تدركها ما لم تكن شاعراً.. يستطيع ما يحب.. حينما لا يحب ما يستطيع.. نعم لولا الشعر لن تكون قادرًا على أن تردّ السلام على الشمس.. أن تجاور القمر.. أن تهمس في أذن فراشة تدنو إلى النار، أن تستريح قليلاً في مدينة التعب، أن تقرئ أطفالك سيرة الأحلام، وخديعة شهرزاد، ورقصة سيندريلا العابرة. إذاً لنتفق أنك واحد من سلالة بشرية غجرية الوجود.. ظلّت تهاجر وتتهجّر منذ آلاف السنين تبحث عن مدينة الجوهر الإنساني.. وكلما وقفت على تخومها المتمنّعة - ذات الجدران المتوهّجة والبيوت البركانية - سكنتَ وحدك حجرات براكينها.. صادقت هناك الفناء والخطر والغربة والتشرّد والسجون والوحوش وما صرعك غير الحب ولا بحثت فيها يوماً إلا عن نفسك، ولا سألت عنك إلا صمتك.. لكنك بعد كل هذا لا تجيئنا حين تجيء إلا ببخور روحك ولا تغادرنا إلا بتذكرة الخلود... فاصلة: المغني الذي قال للناسِ صدري تشقّق فاختبئوا جاءكم "آخر" يقرئ الناس أوهامهم ثم يبصق فوق السطور ... المغني أحالوه .. للكلماتِ .. فمات كثيرٌ من الناس في صدره حين عاد إلى صمته عينوه وزيرًا على حزنه ثم حين تقاعدَ كان بها شاهدًا للقبور..!