"يالله سألتك التوبة.. والبرد تخفف هبوبه"، كانت كلمات نتناقلها رجاءً وأملاً بالله أن يخفف تيارات البرد وشدته، هذا البرد الذي يجعل "الحمار يتبول دماً" على رأي آبائنا وأجدادنا.. يواجهون البرد بالدعاء والعمل واتقائه بما لديهم من ملابس في معظمها قديمة بالية.. لكن يا عونة الله لا بد منها. كانت الدفاية الأهم هي الحطب، وما يتبعها من فرك اليدين ببعضهما وهز الأكتاف لعل حرارة تأتي، ناهيك عن أدعية هي السبيل الأهم وهي تتوالى من الأفواه الباحثة عن الدفء تعبيراً عن طلب الرحمة من شدة البرد وما يلحق به من أمراض تنفسية لا يسلم منها.. لا الإنسان ولا الحيوان.. وفي غمرة البرد وتياراته التي تنتزع الدم من الوجه ما أجمل شمس الضحى والتمدد أمامها.. لتجد أيام جيل الآباء والأجداد أفواجاً من كبار السن ومن ينادمهم حاضرين بالمشراق كل يجلس القرفصاء ويرمي أسفل وجهه بين ركبتيه ينشد دفئاً ربانياً من شمس يعز حضورها في فصل الشتاء.. وسالفة تقطع الوقت، وإن حصل بعض من حليب ساخن أو شاي يبث الحرارة في الجسم. بردنا الآن يختلف عما عرفه آباؤنا ومن سبقهم.. في ظل جيل حديث لا يعرف إلا البيوت المحصنة بطبقات العزل والسيارة المكيفة وفق ما تريد من درجة حرارة، ناهيك عن الملابس التي تتغير تباعاً من فرط خيرات أسبغها الله على البلاد والعباد.. هذا الجيل لم يعرف الكد بين التيارات الباردة التي تيبّس الوجه وتعكف اليدين، وتجعل سيلان الأنف والفم والعينين حاضراً لا يتوقف، ولم يجرب المسير لبضع كيلومترات خلال موجة باردة.. هذا الجيل بات من الطراوة حتى أن أمراض الشتاء أصبحت عنواناً له من فرط وهن يعاني منه، ولا تجد منه إلا التأفف والانزواء داخل كتلة ملابس وتحت مجموعة أغطية لبعضهم تكفي عائلة كاملة. نقول للمتبرمين إن شتاء هذا العام سيكون أشد، ولسنا من يقول ذلك بل خبراء الطقس، ليتوافق مع انتشار مخيف لداء كورونا الجديد، لذا نتمنى أن يكون شتاء داخل المنازل، لأن اجتماع البرد الشديد مع الوباء المتسارع الانتشار يفضيان إلى القلق والتوتر مع قلة الحركة من فرط مجموعة "خلاقين" فرضها الجو البارد، وأجزم أن مثل ذلك من المحرضات تماماً على إفساد المزاج، لذا فالسلامة بالبقاء بالمنزل أسلم. ديننا السمح أقر لنا ودعانا أن نتّقي ونبتعد عن المضرات ولا أظن إلا أن أمراض الشتاء حينما تهددنا مع كورونا حتى لو كنّا في إطار سعينا لأجل رزقنا إلا إنها واجبة الحذر وأخذ الحيطة منها، ليكون البيات الشتوي أهم وأسلم للناس والبلاد من هذا الخطر المحدق.. لذا فمن غير اللائق "السعسة" بالأسواق والمتنزهات وما يذهب بالناس بعيداً عن منازلهم في غير حاجة.. ونختم بالمثل الشامي عن شدة برد كانون "في كانون الأصم اقعد في بيتك وانطم".