في طياتِ عمري الذي بنيت عبره جدران جبلت من الحب العظيم والوفاء الخالص الذي يثبت صفاء الصدق لجميع من مروا بحياتي، لقد مرّ ثلاثون عاماً على وجودي في المملكة العربية السعودية، مملكة العطاء، مملكة الإنسانية، ولم يمر يوم وكنت فيه ضحلة العطاء، أُغرمت بهذه الدولة الأبية، والأكثر من ذلك كانت ملهمتي في عطائي وعملي، أحببت تفاصيلها وأوراق شجرها والحبر الذي كُتبَ به اسمها، ولا أستطيع التخلي عن أيِّ جزءٍ منها، كانت هويتي وما زالت.كانت صبري وحلاوة عمري وستظل رفيقة أيامي إلى أن تتوقف أنفاسي، وأنا باقية كديمة تعطي لها دون الملل وسيف في الدفاع عنها. ثلاثون عاماً وأنا شاهدة على إنجازاتها وعظيم صنعها. منذ ثلاثين عاماً قدمت من وطني الأم سورية إلى وطن آخر والذي احتضنني وأنا أقيم وأعمل. تنقلت بين مهن كثيرة إلى أن استقرت أنفاسي في بحر الإعلام. جذبتني الأضواء التلفزيونية وقدمتُ برامج عدة منها برنامج على الدانة الفضائية والذي حصل على المرتبة الأولى في معرض الإعلام الدولي بالعاصمة الرياض، ثم انتقلت إلى التلفزيون السعودي لأكون مقدمة لبرنامج صباحي وهو برنامج حياتنا الذي لبس في كلَّ حلقه ثوباً جديداً، فقد ناقش الطب والإتيكيت والتجميل والأسرة والفن والمجتمع والطفل إضافة إلى التقارير التي تكلمت عن الأحداث التربوية والسلوكية والاجتماعية والطبية والجامعية والمدرسية إضافة إلى الفعاليات والمؤتمرات المهمة ومسابقات وجوائز وأيضاً فقرة الطبخ، بعدها كلفني رئيس هيئة الإذاعة التلفزيون لتقديم برنامج الثقافة اليوم على القناة الثقافية السعودية وإعداد الكثير من حلقاته، لم يكن تمضي ساعاتٌ قليلة إلا وكنت أبذل ما بوسعي لأنال شهادة العمل الصائب والمتفاني لخدمة الإعلام السعودي، وروح جذبتني للصحافة وكتابة المقال التي وجدت فيها متنفس جديد بعبق جديد إلا أن عشقي للتلفزيون السعودي في كلّ شبرٍ وكل زاوية وكلَّ دقائق مرت من عمري فيه كان يفوق الوصف والتعبير. حقاً الأرض التي تنشأ وتعيش فيها هي وطن، والأرض التي تحتويك هي وطن، والحب أن ملأ دنياك لا يأتي عبثاً، نعم حبي للسعودية وشعبها المميز يتعدى حدود الشعر والكلام، وحبي لها لا يكون حتى في قصص الخيال. أما عن المكان الذي عشت فيه وأنتمي له فهي مدينتي الرياض، الرياض الحنونة التي أَلفتُ هواءها وشوارعها الرياض. يا رياض الهوى إنَّني أخيط قلبي من ترابكِ الطاهر والمعطر، حتى أصبحتِ الدم في عروقي وأنحني لسماع اسمك المعلق كماسةٍ في عنقي لا تغيب، الرياض؛ التي قدمت لي الكثير فقد مررت بكلّ أحلامي على أرضها، بأفراحي وأوجاعي وتفاصيل أيامي، تعلمت فيها ونجحت وسعدت وبكيتُ وصرختُ وكتبت وأنجبت فيها فكيف لا تكونُ ممزوجة بروحي التي لا تستطيع العيش بدونها. ثلاثون عاماً وكلَّ عام أتمنى البقاء فيها أكثر لأعيش الأمل الذي يبقيني متفائلة وتجعلني قوية ومقدامة لا تهاب أحداً، وبعد ثلاثين عاماً في الرياض أتمنى أن يعيش الشعب السعودي بحبّ وأمان وتطور ومستقبل مشرق يرفع أعلام النور لكلَّ العالم.