لا شك أن الحياة تختلف في طبيعتها والنظرة إليها ويختلف طعمها من إنسان إلى آخر. حيث يتكون الانطباع السلبي أو الإيجابي عن الحياة تدريجياً ويعود إلى طريقة التفكير وبعض العوامل المحيطة بالإنسان. ومن أهم عوامل الانطباع عن الحياة، هو تأثير نمط الحياة على التفكير والمشاعر الإنسانية ومن ثم تكوين الشخصية، وفي المقابل قد تؤثر شخصية الإنسان على نظرته للحياة. وللتوضيح، فلو افترضنا أن إنساناً يمر بظروف صعبة ويواجه مشكلات جسيمة في حياته، فإنه سينظر للحياة على أنها معقدة وصعبة ولا يوجد فيها سعادة أو فرح. ومثله أيضاً، لو أن شخصاً آخر يعيش حياة ميسرة، لا مشاكل ولا منغصات، ولكن حالته النفسية غير مستقرة، فإنه سيحصل على نتيجة وواقع الشخص الأول، من حيث شعوره بالضيق وعدم الارتياح وقلة السعادة. وقد تجتمع الظروف الحياتية المعقدة مع اختلال النفسية مما يؤدي إلى تدهور الصحة وانعدام الأمن والاستقرار النفسي وإلى كراهية الحياة. ولكننا نجد صنفاً آخر من الناس يشعرون بمحبة العيش وطيب الحياة. يحدوهم الأمل والتفاؤل ليستمتعوا بكل تفاصيل الحياة. ويعزى ذلك إلى توافق ظروفهم الحياتية مع صحتهم النفسية وإيجابية تفكيرهم. فتجد أن حياتهم لها بريق سعادة ولا يشعرون بالهموم والأحزان، وتتيسر أمورهم مهما كانت ظروفهم. وهذا النوع من الناس لديه عزم الإرادة وجد العمل وعلو الطموح. فالعزيمة القوية والإصرار على الخروج من المأزق، وفهم طبيعة الحياة، من عظيم الأمور التي يتميز بها القادة المميزون والحكماء وأصحاب الرأي والمشورة. وأصحاب هذا التوجه من البشر يشعرون بارتياح يضم أطياف السعادة ويستمتعون بحياة طيبة ملؤها الهدوء والسكينة. ولكن علينا أن نعلم أن الحياة إن أعطت، في مرحلة من العمر، وأمهلت ومنحت الإنسان من خيراتها ونعيمها وسعادتها فإنها في مرحلة أخرى قد تتراجع عن عطائها وتغيب شمسها ويخفت بريقها. فيصبح من كان سعيداً منكسراً، ويرى الأشياء على غير ما كانت عليه، فتتغير نظرته للحياة وللناس وللأشياء وللمواقف، ويفقد طعم الحياة ومتعتها. وقد يرى أن الخروج من الحياة أثمن من بقائه يعاني المصاعب والأتعاب. وقد تهاجم الإنسان أمراض تطرحه وقد تنهي حياته دون أي رحمة أو شفقة. فالحياة بطبيعتها لا ترحم صغيراً ولا تقدر شيخاً كبيراً. وهذا ما عرفته البشرية على مر التاريخ، حيث نجد أطفالاً يتامى وشيوخاً مرضى وأمهات ثكلى. وهناك الفاقد لابنه أو أخيه وولده، وهناك الفقراء والمعوزون وهناك الجرحى والمشوهون وغيرهم ممن أوقعهم القدر تحت فكي خطوب الحياة. فالحياة قد تصبح بعد توهجها مظلمة، وتتبدل إلى وحش كاسر، تكشر عن أنيابها وتغرز مخالبها في جسم الإنسان وفي روحه. فتداهمه بأمراضها الخطيرة ومصائبها المرعبة وحروبها الفتاكة. يتقلب خلالها في نهر أحزان مظلم لا يتوقف جريانه ولا ينضب نبعه. وبما أن تجارب الحياة أثبتت تقلب الأحوال من قمم السعادة والنجاح إلى قيعان الفشل والإحباط، والعكس كذلك، لذا يجب علينا أن نحسن التفكير في أمور الحياة وأن نتسلح بالصبر والتفاؤل. وأن نبحث في مكامن القوى التي تنطلق من منصة الذات وأن ندعمها بالتخطيط والتنفيذ. ومن هنا حرياً بنا أن ننطلق من بؤر المعاناة ومتاهات الإحباط إلى قمم السمو ولذة الإنجاز.