تواجه الولاياتالمتحدة منافسة قوية من جانب الصينوروسيا إلى حد بات واضحاً للغاية، مع تحركات كل من بكين وموسكو لتوسيع نفوذهما على المستوى العالمي وفرض تحديات حقيقية للهيمنة الأميركية. وقال الخبير الأميركي جاك ديفين، القائم بأعمال مدير العمليات السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والدكتور جوناثان وارد، مؤلف كتاب "رؤية الصين للنصر"، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية: إن إدارات أميركية متعاقبة بدأت المهمة الضخمة المتمثلة في تحويل السياسة الخارجية الأميركية مرة أخرى نحو منافسة القوى الكبرى وتحديداً الصينوروسيا. وقد تكون قمة الديموقراطية هذا الأسبوع، التي سيشارك فيها أكثر من 100 دولة، أهم تأطير للمنافسة. ومع ذلك، يقول ديفين و وارد إنه "لا تزال الولاياتالمتحدة مقصرة عندما يتعلق الأمر بالوضوح الاستراتيجي الذي يتسم به خصمينا". ورغم الاختلافات بين الصينوروسيا، فإن لديهما رؤية فريدة لمصالحهما الاستراتيجية المشتركة وطموحات أكبر في النظام الدولي. وحتى وقت قريب نسبياً، كانت الولاياتالمتحدة تركز على التدخل في شؤون الداخلية للدول الأخرى، ما أعطى روسياوالصين الفرصة للعمل بحماس لرفع مكانتهم وسط المجتمع الدولي. ويقول ديفين ووارد: إن "الافتقار إلى التركيز الاستراتيجي يضر بنا". وكشف الحزب الشيوعي الصيني عن رؤيته للبروز على الساحة العالمية. ومن خلال العديد من الاستراتيجيات المتشابكة، من التحديث العسكري إلى مبادرة الحزام والطريق، والسياسات الصناعية التي تسعى إلى الهيمنة على التكنولوجيات الناشئة والصناعات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، تسعى قيادة الصين إلى وضع نفسها في مركز الاقتصاد العالمي وبناء قوة عسكرية قادرة على التفوق على أي دولة، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. وتؤرق حملة الصين لترسيخ شبكة الجيل الخامس في البنية التحتية للدول من أوروبا إلى أميركا اللاتينية، الولاياتالمتحدة. وبحسب ديفين و وارد، فإن تصرفات الصين تثبت أن التحدي الذي يفرضه تقدمها التكنولوجي والاقتصادي لم ينته مع نهاية الحرب الباردة. وفي الوقت نفسه، تسعى روسيا إلى استعادة دورها كطرف فاعل عالمي. واختارت توغلاتها العسكرية في أوكرانيا وجورجيا وسورية استراتيجياً لدفع موقفها الإقليمي إلى الأمام وزيادة وصولها إلى موانئ المياه الدافئة من دون استدعاء رد فعل دولي جاد. ويهدف سعيها لخط أنابيب "نورد ستريم 2" إلى ترسيخ الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية، ما يسمح لموسكو بمقعد على الطاولة لأي محادثات تقريباً في بروكسل. علاوة على ذلك فقد دمج رئيسها فلاديمير بوتين السياسة الخارجية الروسية في جهوده الخاصة لاستعادة الكرامة التي فقدتها روسيا من انهيار الاتحاد السوفيتي. وباعتبار أنه رئيس ذو خلفية استخباراتية، يتطلع بوتين إلى وكالات استخباراته باعتبارها الآلية الرئيسة لتحقيق أهدافه في السياسة الخارجية، وهو يقوض الغرب أولاً وقبل أي شيء. وفي ضوء التحديات التي يفرضها هذان المنافسان الكبيران، تواجه الولاياتالمتحدة الآن باستمرار منافسة استراتيجية في كل ساحة تقريباً من مجالات الأمن الدولي والسياسة الخارجية. وفي الوقت نفسه، تحاول الولاياتالمتحدة حماية نفسها من الهجمة المستمرة من الهجمات الاستخباراتية والتجسس الصناعي من روسياوالصين على التوالي. كما تسعى واشنطن إلى مواجهة الصعود الاقتصادي والعسكري للصين. ويقول ديفين ووارد إنه من أجل الخروج بنجاح من هذا الموقف، يتعين على الولاياتالمتحدة أن تحدد موقفها الهجومي بشكل أفضل وأن تحدد أهدافها الاستراتيجية طويلة الأجل بوضوح كما فعلت روسياوالصين. ويتعين على الولاياتالمتحدة أن تحدد استراتيجية للحفاظ على التفوق الاقتصادي قبل أن تتمكن الصين من الارتقاء إلى هذا وضع المتفوق. ويختم ديفين و وارد تقريرهما بأنه لمنع الزحف الجيوسياسي للصين وروسيا والنتيجة البائسة لعالم تتمتع فيه أنظمة الخصوم بنطاق عالمي حقيقي، يتعين على الولاياتالمتحدة وحلفائها غرس استراتيجية احتواء حديثة تجاه منافسيها، وقد حان الوقت لكي تكون واشنطن واضحة في موقفها الاستراتيجي مثل بكين وموسكو.