ونحن نخوض حربنا الشرسة على الفساد، تكشف لنا هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) بين فترة وأخرى عن حالات فساد إداري ترتبط بالتوظيف. ولعلنا نؤكد أن "التوظيف" أهم أدوار إدارة الموارد البشرية، فإذا مورس بطريقة صحيحة، فتح باب المؤسسة لدخول الكفاءات، وأقفلها أمام من هم دون ذلك، وسهل ممارسة بقية أدوار الإدارة، أما إذا اختلت معايير الاستقطاب والاختيار والتعيين، فقل السلام على المؤسسة! إن مخاطر فساد التوظيف تكمن في نسفه لمبدأ تكافؤ الفرص، ولا يتوقف عند إدخال "عديم الكفاءة" إلى المؤسسة، بل يتعداه إلى جوانب أخرى، إذ تظل المحسوبية تدعم ذلك الموظف (غير الجدير) في بقية القرارات الإدارية التي تخصه، فتتم محاباته عند تقييم الأداء، والترقيات، وزيادات الرواتب، ورحلات العمل، وفرص التدريب والتطوير. ويأتي فساد التوظيف في أربعة أشكال رئيسية، هي: 1- حصول موظف في جهة ما على "رشوة" مقابل توظيف الأفراد داخلها. 2- توظيف المدير للأفراد بناء على محسوبيات أو مصالح شخصية وليس الكفاءة. 3- التوظيف المبني على المصالح المتبادلة أي أن يوظف مديران (تربطهما صداقة) في جهتين مختلفتين أقاربهما عند الآخر، وبذلك يبعدان الشبهات عنهما (التوظيف بمنهجية شد لي واقطع لك!). 4- الإحلال القسري، بأن يقوم مدير بإرغام موظف على ترك العمل ليستبدله بقريب أو مقرب منه. القضاء على فساد التوظيف لا يتم إلا بالحوكمة والرقابة، فالأولى تضمن وضع الأطر السليمة، كالسياسات "الصارمة"، وأهمها سياسة الإفصاح عن الأقارب داخل الكيان، مع إيضاح درجة القرابة (من الأولى إلى الرابعة)، بالإضافة إلى الإجراءات "الشفافة"، كأن يتم الإعلان عن الوظائف الشاغرة على نطاق واسع (بأكثر من وسيلة)، وأن يتاح التقديم بطريقة إلكترونية (لا يمكن التلاعب بها)، وعلى مدى فترة زمنية كافية، مع تكليف لجان تمثل الموارد البشرية والإدارات المعنية لإجراء المقابلات والاختيار. أما بالنسبة للرقابة، فمن المهم أن يتم تعزيز دور إدارات المراجعة الداخلية للتدقيق الدوري على عمليات التوظيف، وسد الثغرات، ومعالجة مخاطرها، بالتعاون مع إدارات الموارد البشرية، مع الحرص على توفير آليات وقنوات للإبلاغ عن أية حالات فساد محتملة داخل الكيان. وبحكم رصدي لسوق العمل، أرى أن البطالة ليست ناشئة عن قلة الفرص في سوق العمل، بالعكس لدينا خير وفير - ولله الحمد - خاصة في ظل هذا الحراك التنموي الهائل الذي تشهده المملكة، بل أرى أن سبب البطالة هم محتكرو الفرص: "شلل" تمارس فساد التوظيف من جهة، وتكتلات وافدة تحارب التوطين من جهة أخرى! وبالتوازي مع الجهود الحثيثة التي تبذلها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، نقترح تعزيز التعاون مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للتدقيق على ممارسات التوظيف في القطاعات الثلاثة (العام، والخاص، وغير الربحي). فمن المؤسف أن نرى جديرا يقف بلا حيلة على أعتاب المؤسسة، فيما عديم الكفاءة يهبط على مكاتبها بالبراشوت أو يتجول داخلها بالمنطاد! * مستشار في الموارد البشرية