يظل موضوع "القيادة" هاجس المؤسسات العامة والخاصة على مستوى العالم، مما يجعل استقطاب "القياديين" عملية لا تتوقف في الأزمات الاقتصادية ولا في غيرها، فالكل يبحث عمن يعظم مكاسبه ويقلص مخاطره. وعلى مدى سنتين، قامت شركة "غارتنر" الأميركية باستطلاع قادة الموارد البشرية في 60 بلدا عن أولوياتهم للعام الجاري والمقبل، وتصدر شغل المناصب القيادية المرتبة "الثالثة" في الاستطلاعين. إننا نستبشر خيرا عندما نرى أو نسمع عن قياديين متميزين يمنحون الفرص للمشاركة في إحداث التحول في المؤسسات، لأننا نثق أنهم يملكون سمعة مهنية وكفاءة إدارية عاليتين، تجعلهم يبدعون إداريا، ويصنعون جيلا من القادة لا يقل جدارة عنهم. في المقابل، نلاحظ أن هناك قطاعات "قاحلة" من المواهب، لا تزال تعيد تدوير قياديين، لم يحققوا نجاحات في محطاتهم السابقة، ولا يملكون من القدرات سوى "التواصل" الذي يوظفونه بشكل مفرط لتغطية الضعف الإداري، فيظهر في شكل: اجتماعات طويلة ومملة، وعروض تقديمية مزخرفة، ورسائل إلكترونية منهمرة، وفي النهاية يغادر القيادي من هذه الفئة بلا إنجازات، لكنه يهبط على كيان جديد مكررا القصة نفسها! من وجهة نظري، مشكلة إعادة تدوير القياديين تعود إلى ثلاثة أسباب: الأول: تدني وتيرة المنافسة بين المؤسسات العاملة ضمن القطاع (الذي يعاني من شح المواهب)، مما يجعلها لا تفكر أو لا تتحمس في إنشاء برامج للتطوير القيادي، فترى أن الحل الأسرع والأقل تكلفة أن تتخاطف القياديين من بعضها البعض. ويكمن السبب الثاني في تضييق نطاق البحث عن المواهب، أي أن المؤسسة لا تبحث إلا في قطاعها، وتلغي إمكانية البحث في القطاعات الأخرى، مع أن القيادة الحقيقية تتصل بالكفاءة الإدارية للفرد أكثر مما ترتبط بمعرفته الفنية، ولذلك من باب الإبداع والتجديد أن تتم الاستعانة بقيادي نجح في قطاع معين (مثلا القطاع المالي) لكي يعمل في مؤسسة في قطاع آخر (مثلا قطاع تقنية معلومات). أما السبب الثالث، فهو يرتبط بشركات استقطاب تعمل خارج المملكة تستهدف المرشحين داخلها لتوظيفهم في مؤسساتنا، فهذه الشركات الأجنبية يهمها تسويق المرشحين للعملاء (الجهات)، ولا تملك قاعدة بيانات ثرية، فتضطر أحيانا لإعادة تدوير المرشحين، فإذا اقترب عقد القيادي (س) على الانتهاء من الجهة (ص)، أو شعر هو بالانكشاف (بدأ كرته يحترق)، تبدأ الشركة بتسويقه من جديد وإعادة تدويره على جهات أخرى!. نحن مع الاستعانة بالقياديين المتميزين لأنهم ينسجون قصص نجاح كلما تنقلوا بين المحطات.. مشكلتنا في إعادة تدوير القياديين الذين تسببوا بالنكسات الإدارية والمالية المتتالية. لذلك، الحل يبدأ من "مجلس الإدارة"، فهو الأقدر على تقليص مخاطر إعادة تدوير القياديين داخل الكيان، من خلال تفعيل دور لجنة "الترشيحات والمكافآت"، عند غربلة واستقطاب الكفاءات من خارج المؤسسة، وقيام المجلس بإلزام الإدارات التنفيذية بتطبيق ومتابعة برامج تطوير القيادات، على أن تعتبر هذه المسؤولية مؤشرا يضاف إلى بقية مؤشرات أداء الفريق التنفيذي. * مستشار في الموارد البشرية بندر الضبعان