بحماس متوقد كان مجموعة من رواد الأعمال يستعدون لإطلاق مشروعاتهم، وكنا - أنا والزملاء - معهم في التوجيه والإرشاد أثناء مرحلة التأسيس وما بعدها. بين فترة وأخرى، كان يصلنا خبر أن أحدهم قرر أن يقفل مشروعه: فماذا حدث للحلم؟ هل كان صرحاً من خيال فهوى؟ مع تتبع الحالات، جرى رصد أبرز التحديات التي واجهتهم، وهي: (1) إدارة وتشغيل المشروع، و(2) التعامل مع الجهات الإشرافية. بالنسبة للتحدي الأول، فيمكن مواجهته بتعزيز القدرات الإدارية والتشغيلية لرائد الأعمال من خلال التجربة والخطأ، وهو ما نسميه اكتساب الخبرة. لكن هذا يرتطم مع التحدي الآخر، وهو إنه من الصعب أن يكتسب رائد الأعمال الخبرة - التي تتم تدريجياً - في ظل متطلبات متعددة ومتغيرة من قبل الجهات المعنية (الموارد البشرية، التجارة، البلديات، الزكاة، الدفاع المدني، التأمينات)، فصاحب المشروع يقع في حالة من الحيرة والارتباك، لأن لكل جهة اشتراطاتها وتراخيصها ومفتشيها ومنصاتها، فلا يدري هل يقضي وقته في إدارة المشروع أم استيفاء متطلبات هذه الجهات؟ إذا خرجت منشأة صغيرة أو متوسطة من السوق، فالأمر ليس مجرد إلغاء سجل تجاري وغيره، نتحدث هنا عن خسائر يتكبدها الاقتصاد الوطني، وخصوصاً فقدان للوظائف، وانعكاس ذلك على معدل البطالة. لقد وصلت معظم المؤسسات الكبرى إلى مرحلة الاستقرار التنظيمي، مما يعني أن تركيزها على مستوى التوظيف يقتصر على الإحلال، مع تدني احتمالية مساهمتها في توليد الوظائف الجديدة. في المقابل، نجد أن المنشآت الصغرى (أقل من 10 موظفين)، والصغيرة (10 - 49 موظفاً)، هي الأكثر توليداً للوظائف وفق الدراسة التي أجرتها منظمة العمل الدولية على 99 بلداً مع التوصية بدعم هذه المنشآت لإنجاح استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل بلد. كما كشفت شركة "ماستركارد" في أغسطس الماضي في تقرير عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاع التجزئة على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا عن أبرز مخاوف أصحاب هذه المنشآت خلال العام المقبل 2022، وجاءت هذه المخاوف على النحو التالي: 56 % الحفاظ على أعمالهم وتنميتها، 54 % ارتفاع تكاليف إنجاز الأعمال، 42 % الحفاظ على العدد الحالي للموظفين، 37 % تدريب الموظفين، 36 % استقطاب أفضل المواهب. ومثلما نجري مقابلات نهاية خدمة مع الموظفين المغادرين لمعرفة أسباب تركهم العمل، لماذا لا نستطلع آراء رواد الأعمال الذين خرجوا من السوق؟ لا سيما ونحن نسعى إلى رفع إنتاجية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20 % إلى 35 % بحلول عام 2030. لهذا، اقترح على الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) التي يرأس مجلس إدارتها معالي وزير التجارة، ويضم مجلسها أعضاء ممثلين من القطاعين العام والخاص استطلاع رواد الأعمال "دوريا" لمعرفة المعوقات ووضع الحلول، والنظر في إمكانية أن تكون الهيئة هي "المرجعية الحكومية" للمنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى أن تتمكن من بلوغ مرحلة من النضج والقوة. * مستشار في الموارد البشرية