قبل عِّدة أعوام كتبتُ عن أهمية الاستثمار كركيزة أساسية لكافة قطاعات التنمية، وعن أهمية إيجاد بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة ومستقرة وتنافسية، وأن تكون ذات شمولية وتكاملية في كل ما لهُ صِلّة بالاستثمار، وعن أهمية إدماج وإشراك القطاع الخاص في وضع استراتيجية الاستثمار وصناعة سياساته وتوجهاته. لديّ كذلك إيمان عميق بأن ذلك ليس بالأمر اليسير، خصوصا في ظل التنافس بين الدول في هذا المجال سواء بجذب الاستثمارات الأجنبية أو المحافظة وتحفيز المحلّي منها، ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً، هو عدم وجود تعريف مُحدد للاستثمار، وذلك بسبب صعوبة تحديد المفهوم الاقتصادي للاستثمار، فقد أغفل مُشرعي اتفاقية واشنطن عام 1965م - قاصدين - إعطاء تعريف دقيق أو مُحدد للاستثمار. وضع بعض الاقتصاديين عدداً من التعاريف، أميل إلى هذا التعريف حيث يُعرف الاستثمار على أنه: مجموع القيمة الإجمالية والكمية من رأس المال والمستخدمة في إنتاج مجموعة الخدمات والسلع والمواد وتوفيرها في الأسواق المُخصصة، إضافة إلى مجموعة الممتلكات والأصول والأسهم التي يحصل عليها الأفراد للحصول على المال. استهدفت رؤية المملكة 2030 رفع إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 %، وإلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إسهاماته إلى 5.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 % إلى 50 % من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وتخفيض معدل البطالة إلى 7 %، والعمل على تقدُّم المملكة إلى أحد المراكز العشرة الأوائل في مؤشر التنافسية العالمي بحلول عام 2030. هذه المُستهدفات تحتاج إلى استراتيجية شاملة متكاملة للاستثمار، حيث إن الاستثمار النافع سيعمل على تنمية وتنويع الاقتصاد واستدامته، وعلى تحسين جودة الحياة، وتوفير فرص العمل المناسبة التي ترفع من المهارات والقدرات والوطنية. أطلقت المملكة استراتيجيتها الوطنية للاستثمار، والتي تتمحور حول تمكين المستثمرين، وتطوير الفرص، وتوفير الحلول التمويلية، وتعزيز التنافسية، وزيادة فاعلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما تتضمن خططاً استثمارية قطاعية في عدة مجالات مكتشفة وواعدة، كما أن الاستراتيجية الوطنية أيضاً حضرت بمستهدفات مُحددة ومنها، رفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 388 مليار ريال سنويا، وزيادة الاستثمار المحلي ليصل إلى حوالي 1.7 تريليون ريال سنويا بحلول العام 2030. لا أشك أن هذه الاستراتيجية الطموحة ستعمل على تحسين بيئة الاستثمار بشكل عام، ولكني أيضاً أجد أنه من المهم معالجة عدد من التحديات التي يُعاني منها المستثمرون، ومنها تعدد المنصات والتطبيقات الإلكترونية للجهات الحكومية ذات الصِلةّ بالاستثمار، وشفافية المعلومات ودقتها وسرعتها وسهولة الوصول إليها، يلّي ذلك استقرار التشريعات والتنظيمات الخاصة بالاستثمار. أخيراً، فكما أنه من المهم جداً تسهيل الدخول وبدء الاستثمار، فمن المهم أيضاً تسهيل التخارج منه، وفق ما يحفظ حقوق جميع الأطراف.