«فنّ الرواية هو ابن المدينة بامتياز، نشأ فيها على أيدي أبناء الطبقة المتوسطة المتعلمة الذين أرادوا أن يقصوا حكاية الحياة في المدينة». هكذا لخّص الكاتب التركي أورهان باموك فكرته حول ارتباط الرواية بالمدينة، وبشكل مفصل تناولت فصول كتاب (مدن العرب في رواياتهم) في شكل دراسة مطولة حول علاقة فن الرواية بوصفها شكلا أدبيا، بالمدينة التي تشكل المجال العمراني والفراغ المكاني الذي تدور فيه أحداث الرواية، وبنتيجة توصل لها مؤلف الكتاب د. أحمد عبدالرؤوف من خلال أطروحته في الدكتوراه حول علاقة العمارة بالفنون الإبداعية، وإيمانا منه بشمولية الفنون وتكاملها، رَغِبَ أن يسخر جهده من خلال هذا الكتاب في الكشف عن العلاقة ما بين العمارة والعمران وبين الإبداع الروائي، ويؤكد الكاتب مما طرحه وتوصل له في كتابه أن الكتابة الإبداعية الأدبية عن المدينة لها اتساع بارز ليس على نطاق العالم العربي فحسب، بل حتى على النطاق العالمي، والتي تتقاطع فيها سيرة الروائي مع سيرة المكان. لا يمكن الحديث عن انعكاس المدينة وتأثيرها في العمل الروائي دون الحديث عن أبرز الروايات التي ظهرت فيها المدينة كعنصر مكاني رئيسي، تدور أحداث الرواية فيه بكل سرد تفصيلي يعرض أماكن حقيقية داخل المدينة، ويوثق تاريخا واقعيا للفترة الزمنية التي دارت فيها الأحداث، وينقل الأدوار الاجتماعية والتفاعلات الثقافية للشخصيات. لعلّ أبرز ما يأتي في هذا السياق ما تناوله الكاتب في كتابه بوصف حالة المدينة والطريقة التي ظهرت فيها من خلال الروايات العربية، فمدينة القاهرة تعتبر واحدة من أهم المدن التي لها النصيب الأكبر من حضورها في الروايات العربية، إذ إنها جذبت بعمارتها وعمرانها أهم الروائيين لتكون مساحة لأحداث شخصياتهم الروائية، وما يُظهر ذلك جليّا روايات نجيب محفوظ التي تتضح فيها مدينة القاهرة، وتستحضر الفضاءات المكانية بصورتها الأوسع من المقاهي، والحارات، والأزقة، كما في رواياته (خان الخليلي، والسكرية، والزقاق) والعوامة ونهر النيل كما في رواية (ثرثرة فوق النيل). يتوسع الكاتب في إيضاح حالات بعض المدن من خلال ما جاء في الروايات من سرد لتفاصيل مكانية تمثل مسرحًا للأحداث، ويظهر فيها علاقة الشخصيات وتفاعلهم مع المكان، وارتباط الروائي بالتعبير عن مدينة موطنه، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد في رواية (المصابيح الزرق) لحَنّا مِينه تنوع الفراغات العمراني والمعماري في اللاذقية، والأماكن التي تدور فيها أحداث الرواية مثل حي القلعة وبيت أبي فارس ومقهى الشاروخ، ورواية (نجمة البتاوين) لشاكر الأنباري والتي وصفها مؤلف الكتاب بأنها قدمت «قراءات تاريخية تتحدث عن شوارع بغداد وخاصة الرشيد والسعدون والبتاوين حديثا أضفى عمقا تاريخيا فريدا لهذه الشوارع التي لعبت أدوارا حيوية في بغداد التاريخية»، ورواية (روائح المدينة) لحسين الواد التي جاءت كسيرة ذاتية لمدينة تونس وتوثيق تاريخي على فترات زمنية متفاوتة، وتتبْع لروائح المدينة التي تميز المكان المراد الحديث عنه.