لماذا كتبتِ الرواية؟ هذا السؤال ليس سؤالاً بوليسياً. بل هو ينفذ إلى مساءلة وعي الروائية. وكيف كانت دوافعها في كتابة الرواية، حيث يشكل هذا الوعي ملامح النص من حيث كتابة الحكاية ورسم الشخوص والبناء السردي. ولهذا يكون السؤال مرة أخرى: للعديد من الروائيات الشابات: لماذا كتبن الرواية؟ محاكاة الواقع الروائية نسرين نجم، صدر لها مؤخراً رواية ماذا لو، تجيب عن دوافعها لكتابة الرواية بقولها: لطالما كانت فضاءات الحكي جاذبة لانتباهي فكنت أصنع قصصاً خلف القصص التي أراقبها من حولي. وفي العيون والملامح كنت دائماً أبحث عن الشيفرة التي أخفتها شخصياتها فكانت هذه هي بذرة شهوة كتابة الرواية وإلى إن أمسكت القلم وبدأت عمليات الهدم والبناء السردي ومن حيث الشخوص والأحداث لرواية «ماذا لو» حتى استقامت ونضج عودها وأينعت والحمد لله وبعد إطلاقها كنت أتلمس لذاذة ثمرتها على الشفاه القارئة لها. فكان وقع المفردات الواصفة لها من الإعجاب والرضا والمتعة والتشويق وغيرها كبلورات ثلج تطفئ لهيب القلق والترقب للآراء حولها. وللحق كنت أظن أن خبرتي في الصحافة وصياغة القصص الإنسانية لسنوات طويلة ستجعل فكرة كتابة رواية أمراً سهلاً. إلا أنني وجدت نفسي أمام فن أدبي صعب. ولكن بدا لي أن كل ما استصعبت شيئاً كلما أتقنته. وهذا ما حدث في روايتي. وأحمد الله كثيراً فقد أضاء لي الطريق في خمس سنوات من العمل الجاد لخلق عمل إبداعي يليق بالقارئ. ريما الجميل: الرواية حُلم يستحق الغَرق وتضيف: يبدو أنني سأسير في هذا الاتجاه منطلقة في كتابات جديدة في عالم السرد الروائي. لقد تشكلت ذائقتي في تناول متعة القراءة من روايات رفيعي المقام كنجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم وأنيس منصور حيث لم توفر مكتبة والدي -رحمه الله- إلا هذه النوعيات من الروايات العظيمة وعندما اشتد العود كانت مذاقاتي تدور حول روايات الروائي عبده خال فكنت مهما أجوب أنواعاً وأشكالاً من الكتابات أعود دائماً للغته التي أفضلها وأسلوبه الذي يتماهى مع مزاجيتي في الحكاية. وفي رواية «ماذا لو» حرصت أن أضع القارئ في حالة تشوق دائم للأحداث وأن أجعله مرة بعد مرة يتوه في الغموض ثم يستفيق بالصدمات وسيجد القارئ نفسه أمام تفاسير في علم النفس تكشف غرابة النص الذي واجهه في البداية ويحمل الكثير من أسرار الشخصيات المتنوعة وسر حيوية البعض وتركيباتهم وتفاعلهم الإنساني الذي لا يبتعد كثيراً عن واقع نعيشه جميعاً. أسماء بوخمسين: الاستجابة للإلحاح السردي الإلحاح السردي الروائية أسماء بوخمسين، صاحبة رواية السدرة، تشير إلى بداية علاقتها بالسرد عبر ما أسمته ب «قصص باهتة النفس»، أضافت لها دهشة الطفولة ألوانًا براقة. خليط ممزوج بأضغاث أحلام متخيلة، قراءات متعددة زودتها بحصيلة لغوية، كتبت إثرها الكثير مما خبأته «الأدراج المغلقة». وتضيف: أصبح الصدر يضيق بما يحتويه، شخصيات حيّة ملأت عالمي، وتملكتني، حزنت معها وابتهجت، أصرت على الخروج، فسكبتها على أوراق احتضنتْها بحنان قصة اجتماعية في أوائل القرن العشرين، تفوح بعبير المشموم وطعم «الكنار» ورائحة الطِّبِيِّنة، عالم لا يبعد عن زمننا كثيراً، لكنه يبدو نائياً؛ لغرابته، كدَحَ فيه الإنسان في ظل معطيات صعبة، ومشاعر متلاطمة. طالبتني الكلمات الصابرة أن أخرجها إلى النور، فكان عملاً سردياً. بوخمسين تشير إلى قيامها بعرض مسودة تجربتها الروائية الأولى على الأديبة العمانية جوخة الحارثي، الفائزة بجائزة بوكر مان العالمية عام 2019. التي أثنت على العمل الذي تشكل فيما بعد وصدر تحت عنوان «السدرة» التي ضمت فيها أطيافاً من التراث المحلي؛ رغبةً في حفظ تراث يبدو باهتاً في غياب الصورة المرئية من جهة، وفي تعريف الآخر بعالم مختبئ كما تقول. سيما محمد: الكتابة وسيلة للرحيل التعلق بالماضي القاصة والروائية فاطمة آل تيسان، صاحبة المجموعة القصصية وردة بلون السماء ورواية وادي المؤمنين تعلل كتابتها للرواية بتعلقها بحكايا الأجداد وتعلقها بماض لم تعشه ولم تشاهد صوره حتى، وتقول موضحة أكثر: حكايات الأجداد أبهرتني أخذتني معها إلى أعماق الواقع الذي عاشه إنسان ذلك الزمان ففتنت بطبيعة المكان وطقسه، مطر يهطل طويلًا، جبال تكتسي الخضار، وديان تغني جداولها صباحا مساء وأناشيد الرعاة يتردد صداها بين الشعاب، حقول مزدانة تعزف الصبايا لحن الحصاد فيها كلما حلت المواسم، الشخوص فيها تتراقص مساء، وعندما ينقشع الظلام تغرس الجادة على قبر أحد الكبار او الصغار الذين نهشت أجسادهم الحمى أو سم الأفاعي أو ظل الطريق فوقع من جبل عال أو ابتلعه سيل الوادي الهادر كجمل غاضب، في ماضيهم كانت ثمة حياة تستحق أن تعاش رغم كل الظروف القاسية من شظف العيش والقلة إلى لوعة الفقد إلى الهجرة البعيدة دون عودة، ورغم كل ذلك لم يعجزهم أو يحبطهم الواقع الذي يغالي في القسوة أحياناً مضوا في توليفه جميلة خلدت حياتهم وأكسبتها شغف المعرفة لكل من سمع بها، حكايا أجدادي هو من حفزتني للكتابة، ثم أبكتني لفرط الشجن الذي تملكني وأنا أراهم يرقصون شخوصاً في روايتي . منيرة مهدي: الكتابة رئة ثالثة سحر الرواية سيما محمد: كتابة الرواية طريق مسحور يعبر الزمن على أرض الورق، طريق لم أكتشفه مصادفةً بل كانت جرات القلم تقودني إليه خطوة في كل محاولة لصياغة صور أو بناء جمل. طريق يدعوني غوايةً أن ألتحق بالركب يناولني عقال مطيتي ويقول بكل تؤدة انطقي هذا القسم، هذه وسيلتي أرحل عليها وأعود بها لا أبيعها ولا أعيرها ولا آمن عليها أحد. طريق يعرف أنه على أرض الورق العمر الواحد ليس واحداً وأني أتسع للظهور في أكثر من صورة وأن أتحدث بعدة أصوات من اللا أحد. أرحل مع راحلة أو قافلة حقاً لا أعرف هويتها ولا مقاصدها، الى أين وجهتها أو متى وقت عودتها؟ أين تقف متى تستريح؟ لا أعرف من هم ركابها؟ أعدادهم أجناسهم أو دوافعهم. فاطمة آل تيسان: حكايا الأجداد تدفعني للكتابة لكن متعة الرحلة تبدأ عندما أتعرف على أحوالهم وتظهر لي جلية ملامح شخصياتهم وما تضمره نياتهم في كل حوار أفتعله معهم، أحرضهم ليجيبوا على أسئلتي المنبوذة خارج حدود أرض الورق. بأفعالهم يتحدثون ومنها تصدر أصواتهم، وعندما يتوهون مني في عاصفة الأحداث أو يحبسهم عني بياض الورق استدل عليهم من هدوئهم وأقتفي ذلك الأثر الذي يشبه بأبعاده ظلال غيمة من غبار وبخار تسقي لاهثاً ويتفيأ بها قارئ صفحات الورق. حُلم يستحق الغَرق بدورها ترى ريما الجميل صاحبة رواية قبس من نور أن لكل كاتب وروائي غاية من الكتابة ووسائل مختلفة عن الأخر، وعن تجربتها تقول: بداية دخولي لهذا العالم لم أكن أتجاوز السابعة عشرة من عمري، كنتُ -في طيّ محاولة كتابة رواية- ولأنَّ أول أحلامي كانت كتابة رواية، أُحبطت عندما لم يُريضني العمل -رغُم عدم اكتماله فوجدت نفسي لست مستعدة لأن أخوض هذه المعركة ووجدت أن الأمر أكبر مني بمراحل ويتطلب جُهداً مكثفاً ومغامرة لم أجد هذه المواصفات بيّ -حينها- وبعد مرور السنين تجدد هذا الحلم داخلي، كان يتردد على ذهني هذا السؤال (لِمَ لا؟) خوض هذه المغامرة التي أُدرك تمامًا بأني لا أبرع في كتابة الرواية، لكنّي أُدرك بأني في المَلعب الصحيح. والتَجربة خير بُرهان، في كُل الأحوال أنا أتنفس عندما أكتب فماذا لو كانت كتابة رواية أشبه بالحُلم لي؟ فأنا أعيش وأنتشي سعادةً من خلالها. نسرين نجم: محاكاة الواقع تجربتي الأولى جعلت مني إنسانة لا تقف هُنا وحسب، إنما أتمنى وأطمح أن تُصدر روايات عديده باسمي تليق بالعالم العربي فنحن بحاجةً لها، وبالرغم من صِغر سنّي إلا أني أتمنى أن أتعلم أساسيات الرواية الصحيحة وحبكتها وكُل ما يجعل من روايتي عملًا عظيمًا ويُخلّد. ويبقى السؤال: لماذا كتبت الرواية؟ لأنها حُلم يستحق الغَرق. ثرثرة الأنامل أخيراً تقول الروائية منيرة مهدي صاحبة رواية أحببتك بقلبين: أكتب الرواية لأني قليلة الكلام في طبعي ولأن أناملي ثرثارة في الكلام، فالرواية هي لغة صامتة لا نستخدم فيها الصوت والنبرات، بل نتفنن في كتابة الكلمات ونخلق في داخلها روح الحياة ونجعلها لغة مكتوبة من لحم ودم فتتكلم عنا كروائيين وتحمل أسماءنا وكأنها أولادنا. نكتب الرواية حتى تنبت في صدورنا رئة ثالثة نتنفس من خلالها هواء زائدًا عن باقي البشر والرواية هي برعم أخضر يلتف حول قلوبنا ويمدها بأنفاس فائضة ونبضات متدفقة فتجعلنا نشعر بأحاسيس الناس أضعاف ما يشعر به غيرنا. وكأن هذا الهواء، وهذا النبض الزائد الفائض يجعلنا في منزلة العلماء والرهبان والقديسين ممن يربتون على هموم الناس ويتعاطفون معها أكتب الرواية لأني قليلة الكلام في طبعي ولأن أناملي ثرثارة في الكلام حين تكتب وهذا الاتفاق المبكر بين لساني وأناملي جعل مني روائية رغم أنفي. أكتب الرواية لأني تربيت بين الكتب، وحبوت فوقها، واستندت على أذرعتها حتى استقمتُ واقفة فتعلمتُ القراءة مبكراَ ثم الكتابة مبكراً فأدمنتها بلا رغبة مني في التعافي من إدمانها والقارئ الجيد مشروع مبكر لروائي جيد، وإن كنتُ أؤمن بأن ليس كل قارئ هو روائي بالضرورة ولكن كل روائي يجب أن يكون قارئاً. لماذا أكتب الرواية لأن الرواية شغف وهي المتنفس، وهي الابتسامة اللا إرادية التي ترتسم على شفتي حين أتذكر بأني في مرحلة كتابة. أكتب الرواية لأنها سعادة، والسعادة لا تُباع ولا تُشترى وهذا هو سبب الكتابة.