الروائية الإماراتية ريم الكمالي في هذا الحوار تؤكد أن التاريخ ليس سوى حجة في التناول السردي لما هو أبعد من ذلك بحثاً عن حرية لا تتأتى إلا به، في حين رأت في الرواية الإماراتية "أنثى"، مهما كتب النصف "الإماراتي" الآخر ستبقى كذلك.. إلى هذه التفاصيل وأكثر منها في هذا الحيز من الصراحة والآراء الجلية.. * الراصد لتجربتك الروائية يلفت انتباهه اهتمامك بالرواية التاريخية.. هل تكتبين التاريخ بروح الباحث تحت غطاء سردي أم تكتبين الرواية برؤية الساردة؟ * أبحث طويلاً في المصادر التاريخية، وأقرأ كل تلك الأحداث والمعلومات لأستوعب فقط العالم حينها، لا لأسرد أحداثها، فلست من النوع الذي يمجد الحدث والشخصيات التاريخية، لأنني قبل البحث كنت قد ابتدعت الفكرة وهي الأهم، وصنعت الشخصيات في مخيلتي ورسمتها على أوراق صغيرة مع خطوط الطريق ومسارات الأحلام والآمال، لذا اختياري لزمن بعيد وتاريخ قديم أضع فيه شخوصي، لم يأت جزافاً، بل من أجل المزايا التي أحصل عليها ككاتبة تسمي نفسها حرة بحاجة إلى حرية القول ورغبة في تجسيد ما تريد والتدخل فيما تشاء دون أن يقص الرقيب قولها، ولأنني حين أنشر روايتي فأنا في ظل سارده، والسرد حدث بعيد، والصياغة إنسانية شعرية، والحكاية خيال، فأبقى كما ذكرت في ضمن سؤالك (كاتبة أسرد الرواية برؤية الساردة التي تصنع تاريخًا) لكنه مختلط بالتاريخ الحقيقي، مع تصحيح ما جرى لأهمية النداء الإنساني والضمير والحق والحب.. إذاً ليس التاريخ هنا سوى حجة. نلجأ للماضي بحثاً عن الحرية الرواية الإماراتية أنثى وستبقى "ابن عربي" لعلوان لا تحمل إبداعاً * في تصورك لماذا أصبح الولع السردي عند كتاب الرواية العرب هو كتابة الرواية التاريخية؟ * البحث عن الحرية أولاً، إلا أن الأغلب يستغرق في التاريخ ويضع وجهة نظره، ويستخدمون الكلمات كوسيلة للتنفيس عن مشاعرهم، وكأنهم يمرون بأزمة قلق الصفحات البيضاء، وكل ذلك لا نعده سردًا ولا رواية ولا حتى تاريخًا. * هل سوف يستمر مسارك بكتابة الرواية في الرواية التاريخية أم أنك سوف تجربينه في حالات روائية مختلفة؟ * سوف أكتب الرواية المعاصرة قريبًا، كما أن روايتي الثانية "تمثال دلما" إذا أردتَّ تصنيفها فهي لا تعد تاريخية فقط بل ميثولوجية ودينية وتحليلية، رواية تخاطب زمني ومكاني، وأثناء القراءة تجد نفسك فيها إن كنت تنتمي إلى جزيرة العرب. أكتب هذا النوع لشعوري بأننا كالمرآة نعكس ما بنا وما تراكم من الماضي فينا إلى الحاضر معتقدين بأننا تغيرنا، لكننا كما نحن وكل ما يأتي هو تكدس قديم يتقادم ويتجدد لا أكثر، أما على مستوى السرد فما علينا سوى أن نكشفها، ولا يأتي هذا الكشف سوى من الكاتب الذي يمتاز بطبيعته الفطرية وحقيقته بعاطفته الصادقة ومعرفته الواسعة وشجاعته المطلقة ليحسم الأمر ويوضح جوانب الحياة حوله لا شخصيته هو أو نرجسيته، وألا يكتب كما يكتب الآخرون، وعلى القارئ أن ينتقي ما يقرأ، وأن يكون على يقين بأن الروائي الحقيقي لا يكتب الإعلانات ولا الأخبار ولا الحشو المكرر، فكل ما لديه هو مشروع يحمل قضايا كبرى يطرحها بنعومة كي لا يبدو كما الجو السائد. * عربياً ما الروايات التاريخية التي لفتت انتباهك؟ وماذا تقرئين وبمن تأثرتِ؟ * في الحقيقة نجيب محفوظ في روايته الأولى وهي تاريخية "عبث الأقدار" قرأتها في المرحلة الإعدادية، وأحببت تقنيته وكدت أمضي خلف الأحداث التاريخية بأنها الحقيقة، لكنها لم تكن سوى ضمير. وأمين معلوف في روايته المؤثرة "سمرقند" قرأتها في المرحلة الثانوية وقد استفزتني هذه الرواية كقارئة بطرق باب البحث والتاريخ وأدب السفر وكتابة الرحلات الجادة من أجل الاكتشاف، لكن قبلهما وحين كنت في الصف السادس الابتدائي سقط في يدي صدفة كتاب مهترئ وقديم في مزرعة أبي الواقعة بين جبال مسندم المطلة على مضيق هرمز، ولم يكن ذلك الكتاب سوى حكايات ألف ليلة وليلة التي امتازت بالتشويق والإثارة والتوتر حتى النهاية، كنت صغيرة حينها لكنها الوحيدة التي مازالت تسكنني، وثمة أمر أقوم به ولا أعرف تفسيره بأنني أعيد قراءة الساخر دون كيخوت ل ميغيل ثربانتس سنويًا. وأخيرًا أعشق قراءة كتب التراث العربي وشعر المعلقات، الغزل تحديدًا. * هل تجدين اختلافاً في كتابة الرواية التاريخية بين الروائي العربي والروائي الأجنبي؟ * الروائي بغض النظر عن جنسيته هناك الحقيقي وهناك التجاري، سواء لدى الغرب أو الشرق أو عند العرب، الروائي أشبه بإله سارد صادق ومعرفي، وعليه أن يتخلى ويكتفي ويستغني ويعتزل.. الروائي إنسان أشبه بذهن كوني، وفي الحقيقة أنني أعجبت برواية "اسمي أحمر" للروائي "أورهان باموق، و"الأبله" لدوستويفسكي. * كيف تنظرين لتجربة الرواية في دولة الإمارات بشكل عام وإلى التجربة الروائية النسائية؟ * تجربتنا رائعة في بعض الأسماء القليلة والجادة، مثل وداد خليفة بنفَسها الطويل، ولولوة المنصوري بلغتها الشعرية العميقة، أقدر أعمالهما جدًا، وهناك نادية النجار التي تعمل بصمت، ولست متحيزة إن قلت إن الرواية الإماراتية أنثى وستبقى، مهما كتب نصفنا الآخر إن جاز لي التعبير. * ما رأيك بروايات السيرة الذاتية؟ * كثيرون من الرواة أبدعوا في سرد سير ذاتية تستحق تناولها، مثل محمد حسن علوان في رواية "ابن عربي" وجيلبرت سينويه في روايته "ابن سيناء والطريق إلى أصفهان"، ويوسف زيدان في "عزازيل"، لكن الحقيقة أن كلها لا تحمل الفكرة الإبداعية سوى اللغة والطريقة الفنية وهيكل الرواية إلى آخر هذه الأمور، ونحن نعلم أن الرواية في أصلها الإبداعي هي فكرة جديدة، أي الفكرة التي يمكننا أن نرويها وهي شرط الرواية، بينما السيرة جاهزة. لكن هناك سيرة ذاتية يرويها الراوي ويضع فيها روحًا جديدة لتبدو كهيكل جديد وفكرة مختلفة ببنية سردية مراوغة دون المساس بشخصية السيرة التقليدية وإنما الاستيلاء عليه وعلى ازدواجيته، كما هي رواية "الإغواء الأخير للمسيح" للروائي والفيلسوف اليوناني "نيكوس كازانتازاكيس"، والذي يعرفه العالم من خلال "زوربا".