مع ازدياد حدّة الأزمات والكوارث الناتجة عن التغيّرات المناخية من حرائق وفيضانات وجفاف وغيرها من الأزمات المدمّرة لاستقرار المجتمعات والشعوب؛ كان من الطبيعي أن يحدث هذا الزخم العالمي لتشخيص أسباب ظاهرة التغيّرات المناخية وتقديم الحلول اللازمة لها من أجل إنقاذ البشرية من خطر محدّق ينذر بكوارث إنسانية جسيمة غير مسبوقة. لقد أصبحت كثير من شعوب العالم مع استمرار حدوث هذه الكوارث في وضع مزر؛ في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية بعد أن تغيَّر حالها من الكفاية إلى العِوَز، ومن السعادة إلى الحزن، ومن هدوء الحياة إلى صُخُبِ التشتت، ومن الأمن إلى الخوف والترقب بسبب ما واجهه ويواجهه من كوارث مدمّرة تقع بين الفينة والأخرى بسبب التغيرّات المناخية والتي توالت الأبحاث والدراسات بشأنها معتمدةً على التكنولوجيا المتطورة للبحث في مناخ الماضي، ومحاولة التنبؤ بمناخ الأرض في المستقبل، وانتهت إلى أن بعض أسباب تغيّر المناخ يعود إلى التغيّرات الكونية المعتادة؛ إلا أن الاتجاه السائد حمَّل الأنشطة البشرية العبء الأكبر في هذا الشأن، وانعكس هذا كله في وجهات النظر المختلفة والمتفاوتة حول ظاهرة التغيّر المناخي، وعلَتْ صيحات تحذير مقلقة ذهب أصحابها إلى أن زيادة انبعاثات غازات الدفيئة، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والانبعاثات الأخرى ستزيد من سخونة الأرض والميثان، وترفع درجة حرارتها بمقدار درجتين إلى خمس درجات تدرُّجًا من سيناريوهات توقع المناخ المتفائلة إلى السيناريوهات الأكثر تشاؤمًا، والتي تتوقع أن زيادة الاحترار على مدار عقود مقبلة سيدمّر معظم كوكب الأرض، وسيهلك معظم سكانه، ولن يتسع الجزء المتبقي من الكوكب لاحتواء جميع الناجين، الذين سيحاولون التجمع حول القارة القطبية وبقاع الأرض المتبقية التي تصلح للحياة، وستقع حربٌ عالميةٌ يحكمها سادة يقررون مصائر الناجين وسيحددون مَنْ يمكنه المرور إلى تلك الأرض التي أطلقوا عليها طوق النجاة؛ وعندما نتأمل هذا الأمر جيّداً نجده خطيرًا ومعقَّدًا؛ يشعرنا بشيء خفي، تنتهي عنده خيوط المأساة، وتنكسر أمامه الجهود المبعثرة، فالنظم البيئية تسير وفق دقة متناهية تفوق عقل الإنسان، ولكنها مسخرةٌ لخدمته قبل أن يعي البيئة بمفهومها الواسع، وقبل أن يتكشَّف له بعضُ أسرارها الضئيلة، فهل يعي الإنسان أنه مهما بلغ من التطور التكنولوجي ستظل معظم الأسرار الكونية محجوبة عنه يصعب عليه الإحاطة بها، والسيطرة عليها؟. لعل المشكلة الحقيقية تكمن في أن يعي الإنسان أنه خادمٌ ومخدومٌ؛ هو خادمٌ لبيئته التي سخرها الله له فجعلها في خدمته شريطة المحافظة عليها وعدم الإخلال بتوازناتها وبعد أن شعر العالم وأدرك خطورة الكوارث الناجمة عن التغيّرات المناخية؛ فكان حريّ به أن يتحرك لفعل شيء ما قبل فوات الأوان وقبل أن يقع «الفأس في الرأس» وتكون الضربة موجعة وقاسية وبدأ التفكير الجاد فيما حذر منه العديد من العلماء والجمعيات البيئية؛ ولعل هذا يبدو جليّاً في ما تم توقيعه من اتفاقيات وما تم عقده من مؤتمرات وقمم عالمية ومنها قمة باريس وقمة روما لمجموعة دول العشرين التي يمكن أن نصفها بأنها انطلاقة حقيقية لتعزيز التعاون بين دول العالم أجمع في مواجهة الأخطار البيئية؛ وقد يكون مؤتمر جلاسكو الأكثر جدية في تناول الخطر الداهم من خلال التعاون الدولي المنسق؛ حيث إنه بدون تعاون ستظل أي جهود تُبذل تدور في حلقة مفرغة عديمة الجدوى؛ إضافة لذلك أن قادة قمة العشرين اتفقوا على الإيقاف الكامل للانبعاثات الحرارية وفق جدول زمني محدد؛ ومواصلة الإجراءات الهادفة لضبط الزيادة في درجة حرارة الأرض على 1.5 درجة مئوية؛ وتخصيص 100 مليار دولار إلى الدول النامية من إجمالي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة الصادرة عن صندوق النقد الدولي. إن شعوب العالم التي تتابع قمة غلاسكو «كوب 26 « نوفمبر 2021 تتطلع إلى الحصول على تعهدات من جميع دول العالم بشأن برامج خفض الانبعاثات الملوثة للبيئة بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ 2015؛ وتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الحياد الكربوني سنة 2050؛ وتسريع التخلص التدريجي من استخدام الفحم الحجري؛ والحد من إزالة الغابات؛ وتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة؛ مع توفير التمويل اللازم للاستثمار في مختلف استراتيجيات التصدي للتغيّرات المناخية؛ فهل تتحقّق طموحات شعوب العالم في العيش في بيئة سليمة وصحية خالية من أي اخلال بتوازناتها الطبيعية الربانية؟ * أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر