عبق الثقافة الذي ينثره وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن فرحان آل سعود لا ينفك، يفاجئنا بما يرتقي بذائقتنا ويسمو بالفن السعودي إلى مكانة رفيعة، ليس غريباً أن نستعيد ما توارى عن الأعين من إبداعات آن لها أن تزهو بجمالها على مرأى الجميع، كما هو الحال مع المنحوتة التاريخية لمجسم فني للفنان السعودي الراحل الدكتور عبدالحليم رضوي، التي أزاح عنها ستاراً من أنقاض مبنى تجاري قديم وأكشاك تمت إزالتها في وسط جدة ضمن مشروع تطوير جدة التاريخية، تؤكد مدى اهتمام سموه بالموروثات الثقافية أياً كانت والحرص على الاعتناء بالمجسمات والمنحوتات الثقافية وصيانتها إذا تطلب الأمر للحفاظ عليها لما تحمله من قيمة حضارية. المجسم الفني الذي يعود تاريخ نحته إلى عام 1981م، يعد أحد الأعمال الإبداعية التي صاغتها أيادٍ سعودية في زمن يعتبر مبكراً جداً الإلمام بهكذا فن أمام الحضارات العربية والأوروبية، لكن رغم ذلك برز الفنانون السعوديون وأبدعوا في الرسم والنحت وساهموا إلى جنب النحات الغربيين الذين قدموا إلى المملكة وتحديداً إلى مدينة جدة، بدعوة من أمينها الأسبق المهندس محمد سعيد فارسي -يرحمه الله- أول أمين لمدينة جدة لمشروع تزيين وتجميل الميادين والشوارع والطرق الرئيسة، وملئها بالمجسمات والمنحوتات الإبداعية، حتى باتت جدة من أجمل المدن العالمية، ومذ ذاك أصبحت تلقب بعروس البحر الأحمر، مترامية الأطراف، تتسجى ضفاف بحرها على طول حدودها الغربية من شمالها إلى جنوبها. إن المهندس محمد سعيد فارسي أول من قاد أعمال تخطيط شوارع مدينة جدة والطرقات الطويلة المتناسقة، وصمم الميادين الزاهية، ما أضفى على الرؤية الجمالية الحسية البهاء وحسن المنظر، وزادتها المجسمات ذات المدلولات الفنية والمنحوتات التي انتشرت في شوارعها من تصاميم الفنانين العالميين بمشاركة الفنانين السعوديين بأعمالهم الإبداعية التي أبهروا بها زملاءهم قبل المواطنين، فهي لم تقل جمالاً أو تصميماً عن غيرها، وبرزت في هذا المجال أسماء كثيرة من هؤلاء الفنانين السعوديين، ولكن يبقى الفنان والنحات السعودي الدكتور عبدالحليم رضوي -يرحمه الله- أبرزهم، فقد صمم لوحده وعمل أكثر من عشرين مجسماً، انتشرت وتزينت بها ميادين ومختلف شوارع مدينة جدة وعلى طول كورنيش ساحل البحر. وملامح هذا المجسم العائد تتضمن زخارف على شكل سمك، وعبارات نحتت في عدد من الصخور تعبر عن الحياة في جدة القديمة، وفي أعلاه آيات قرآنية وعبارة "الله أكبر"، وفي الجهة الأخرى جدة عروس البحر الأحمر، ورسومات عبارة عن "رواشين" وهي النوافذ الخشبية لمباني جدة القديمة. وظهور هذا المجسم مجدداً بعد كل هذه السنين واهتمام سمو وزير الثقافة الكبير به، يرجع الحراك الفني الثقافي للمجسمات الجمالية الذي كاد أن يندثر لولا عناية سموه الذي ينقب عن الآثار والنفائس للاستدامة في ظل الرؤية المباركة 2030 التي يقودها سمو سيدي ولي العهد -يحفظه الله-، التي من ضمن توجيهاتها الاهتمام بالتحسينات البصرية وتنمية الثقافة لدى الإنسان السعودي بالشكل الحضاري.