من عبق ترابها الذهبي، مع ألوان الغروب وهدوءِ الليل، ينحني العازف الرقراق الذي يهمس لربابته بكلِّ تقدير: دعيني أمسك عودك الذي يطربني لأمرره على أوتارك الحساسة التي تصدر لحناً يلامس قلبي وأحزاني، فتشفي بي أمراضاً لا يستطيع الطبيب كشفها إلا أنت! دعيني أيتها الربابة أتكلم معك بطريقتي الشعبية، فأنا وأنت واحد ولا نكمل إلا ببعضنا، دعينا نكون معاً، لأنّا جُبلنا من ذرات الصحراء العميقة، اهدني موسيقى وأهديك شعراً من أرضي. هي؛ الربابة... الموسيقية الوترية التي رافق اسمها أبناء الصحراء. وفي التاريخ اقترن اسمها في الشعر الشعبي، هي رمز البادية في الأفراح وجميع المناسبات. كما أنها ليلة سمر صافية ليفصح العاشق أو من في قلبه جوى عما يحويه من كلام، فينطق بها مع صوت الربابة المداوي بالنسبة له. الآلة الموسيقية الوترية الحنونة التي ارتبطت وما زالت إلى الآن بالتراث السعودي الأصيل، وما زالوا يحافظون عليها كما الشعر الشعبي الذي يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، كلاهما توءم النغم الروحي، والمهرجانات السعودية خير دليل، حيث يبرزونها ويعتمدونها في مهرجاناتهم فهي تراثهم القديم الحاضر الذي لا يتخلون عنه، وهذا يعود بالفضل للشباب السعودي الذي إلى الآن يعزف الربابة ويتمرن عليها في محاولة منه لمنع اندثارها وعدم غيابها عن المناسبات الشعبية، مثل: مهرجان القهوة والشاي في جدة، ومهرجان صيف عرعر، والكثير منها التي تفتتح فيها بصوت الربابة وشعرها والتي تعبر عن تراث المملكة القديم والمتأصل. ونجدها في اجتماعات شيوخ البدو، إذ يكون الربابة والشعر الشعبي حاضرين أساسيين في الجلسة، حيث تشعر بأنها لغة خاصة تحاكي أهل البادية حصراً عن باقي الدول الأخرى التي تستعمل المزمار أو الكمان أو البيانو، فلا تجد بيتاً من بيوت البادية لم تعلق فيه ربابة أو لم تستعمل في أهازيجهم وأتراحهم. يرافقها الشعر كصديق، تحاكي قصة حدثت مع أحد أفراد القبيلة أو حدثاً بطولياً وفخرياً، أو مدح شخص ما، أو رفعاً للظلم ودعوة للتسامح بين الناس والوصاية بالجار والأم والإخوة، وهذا يعني أن الأصالة التي تعيش في الإنسان البدوي تحاكي كل ما هو إنساني وخيري ومحب منذ القديم. ومشهد إشعال الحطب أمام بيت الشّعر الدافئ المملوء بالحنان والأمان، والذي يقطنه كبار الشيوخ ووجهاء القبائل، وحول الحطب المجمر يغني شاعرهم والربابة بين يديه ترافقه، يستمعون إلى فنهم الخالد المحفور في الذاكرة والصميم. ومن بحور الشعر المستخدمة في الربابة مقامات الهلالي والمسحوب والهجيني والصخري التي عدت من أكثر الألوان انتشاراً. وتبقى الربابة في الشعر وفي الفن التراثي القديم رمزاً ثميناً. عازف الربابة سمير المجالس ناهد الآغا