يبدو أن مسيرة التنمية والتطوير في المملكة مسلسل لا نهاية له، يواصل حلقاته كل يوم، بقصص جديدة متشعبة الأحداث والتفاصيل، توحي بأن مرحلة العمل الجاد في رؤية 2030 قد بدأت، وعلى الجميع الاستعداد لها بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة، لتحقيق كامل مستهدفات الرؤية وتطلعاتها في بناء وطن قوي ومثالي. وإذا كان نشاط الرؤية في سنواتها الخمس الأولى، تركز على عمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي طالت مفاصل المملكة، فإن نشاط السنوات الخمس المقبلة سيتخذ مساراً التنمية والتطوير، الذي يستهدف كل منطقة من مناطق البلاد، تارة بإنشاء هيئات تطوير للمناطق، وتارة أخرى بإنشاء مكاتب استراتيجية تقوم بالمهمة ذاتها، وهذا ما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، عندما أعلن عن مكاتب استراتيجية لتطوير مناطق الباحة، والجوف، وجازان، وستكون هذه المكاتب في مرحلة مبدئية، نواة لتأسيس هيئات تطوير مستقبلاً. ويعكس إطلاق هذه المكاتب رؤية ولي العهد وأهدافه الرئيسة في إيجاد تنمية شاملة ومستدامة في مناطق المملكة بلا استثناء، من خلال توظيف قدرات كل مدينة أو منطقة التوظيف الأمثل الذي يحولها إلى مركز اقتصادي وتنموي، تستفيد منها الدولة والمواطن في آن. وهنا علينا أن ندقق النظر في مفاهيم تطوير المدن والمناطق السعودية بآليات بارعة وحكيمة، يقودها سمو ولي العهد، الذي يؤسس لثقافة تطوير المدن في المملكة، معتمداً على الميزات النسبية والإمكانات الخاصة بكل منطقة، وتتنوع هذه الإمكانات بين مناطق لديها سحر الطبيعة الخلابة، من جبال وسهول وأودية، وصحاري ممتدة، وأخرى تمتلك حضارات إنسانية وتنموية، وتختزن أراضيها آثاراً تحكي قصصاً من تاريخ عصور قديمة، استوطن أهاليها أرض الجزيرة العربية، وثالثة لديها إمكانات خاصة، مثل الأرض الخصبة والمياه الجوفية العذبة، التي تجعل منها واحات زراعية يشار لها بالبنان، ولم يشأ سمو ولي العهد أن تبقى هذه الإمكانات كامنة غير مستغلة في إنعاش الاقتصاد، وتعزيز رفاهية المواطن، وهنا يبرز دور هيئات التنمية والمكاتب الاستراتيجية التي يُعلن عنها ولاة الأمر في مملكتنا. ثقافة المدن الاقتصادية التي يسعى سمو ولي العهد إلى نشرها في المملكة، ليست جديدة، وإنما ظهرت من قبل في إطلاق مشروعات تنموية طالت العاصمة الرياض، بهدف تحويلها إلى قائمة أفضل عشر مدن اقتصادية في العالم، وهذه الثقافة معمول بها في دول العالم الأول، التي لديها اليوم مدن ذات سمعة عالمية في مجالات متعددة، بدءاً بمدن التقنيات المتطورة أو مدن الصناعات الحديثة، أو مدن الزراعة العضوية، وصولاً إلى مدن صناعة الترفيه والسينما، ونجحت هذه المدن أن تكون مورداً رئيسياً في دعم خزينة بلادها. وبكل الصدق والموضوعية، أجدني اليوم متفائلاً بما نشهده في قرارات متتابعة، تستهدف ترسيخ التنمية في كل شبر بالمملكة، هذا المشهد يبشر بدولة نموذجية في كل تفاصيلها، وهذا ما وعدت به رؤية 2030 قبل خمس سنوات، واليوم وكل يوم نراها تفي بالوعد، وتحقق أكثر مما وعدت به، وعلينا أن نترقب وننتظر ماذا سيكون عليه الوضع في مناطق المملكة ومدنها، عندما يكتمل التصور النهائي لتطويرها وتنميتها.