رواية أميل زولا الفرنسية التي ترجمها إلى العربية الشاعر والكاتب المبدع ياسر عبداللطيف. الترجمة رائعة وستدرك ذلك حين تقرأ الرواية لأنها ليست رواية عادية، فهي ممتلئة بجميع أنواع الأسماء لجميع أنواع الأطعمة الباريسية في ذلك الزمن، لذلك حين تقرأ بدون أن تشعر بالانزعاج من كل تلك المسميات الغريبة، تعرف أن المترجم لم يكن عادياً. مقدمة مراجع العمل كاظم جهاد أيضاً تمنحك القدرة على فهم جو الرواية وفهم الطريقة التي يكتب بها أميل زولا. نعرف أحياناً أسماء كبيرة نظل نرددها ولا نتذكر تماماً إذا قرأنا عملاً لهم أم لا. من هنا كانت قراءة هذه الرواية بالنسبة لي شيئاً مهماً، زولا الذي شاهدت فيلماً عنه وعن علاقته بالفنان التشكيلي سيزان والذي كتبت عنه في هذه الزاوية قبل عام تقريباً. زولا الذي يظل اسمه يتكرر، بدون معرفة حقيقية بعظمة رواياته. قرأته أخيراً، في بطن باريس. في منتصف القرن التاسع عشر تم بناء سوق مركزي كبير في باريس اسمه لي هال، في هذا السوق يتم عرض جميع أنواع الخضروات واللحوم، وهو السوق الذي تجري فيه ومن حوله أحداث الرواية. ومن هنا يصبح عنوان الرواية له هذه الدلالة المزدوجة المباشرة وغير المباشرة، البطن بمعناه الصريح والبطن بمعنى الخفايا والأسرار. بينما تجري الأحداث في الزمن الفعلي الذي يعيش فيه زولا، نقرؤه نحن الآن بعين أخرى، كأننا نقرأ عملاً تاريخياً يصف لنا كيف كان السوق، وما نوع المأكولات الدارجة في ذلك الوقت، وكيف كانت الخضروات تصل إلى السوق، وكيف كانت المرأة في ذلك الوقت هي التي تقوم بالبيع والشراء في معظم أرجاء ذلك السوق الكبير الذي يمد كامل باريس بأطعمته اليومية. هذا هو جمال هذا النوع من الروايات، هذا هو في الحقيقة جمال الرواية، التي تنقلك من عصر لعصر آخر كأنك تراه وتفهم ما كان يدور فيه. وهي مسألة مختلفة عن قراءة الأعمال الروائية التاريخية التي يبذل فيها الكاتب جهداً مضاعفاً للبحث في كل دقائق العصر الذي يكتب عنه. تمتلئ الرواية بالشخصيات التي لا تستطيع أن تتخذ منها موقفاً حاداً، فأنت تفكر في كل تصرفاتهم وتعتقد أنهم على حق مرات وتنتقد تصرفاتهم في مرات أخرى، هناك البطل الذي يذكرك بدون كيشوت في أحيان كثيرة. الكائن الضعيف النزيه الذي يعتقد أنه قادر بأفكاره غير المرتبة قيادة ثورة تغير الحياة وتقضي على الفاسدين. العمل مذهل وممتع. وكما أكرر في كل مرة أكتب فيها عن كتاب، اقرؤوا العمل، لأنه لا يمكن لمقال أن يصف جمال رواية.