ونحن في هذه المناسبة الوطنية وفي مثل هذا التوقيت أمام فرصة ذهبية سانحة تتجدد عيداً لكل السعوديين في كل عام وأمام كل مسؤول في المقابل هي مهمة نفسية واجتماعية لترسيخ الوطنية الوطن قيمة سياسية واجتماعية تنقش في الذاكرة، وفي المملكة العربية السعودية ومنذ أول إقرارٍ ليوم الثالث والعشرين من سبتمبر الأول من الميزان بأنه يوم إجازة رسمية ويوم احتفال مميز لهذا الشعب السعودي العظيم بدأ يومنا الوطني ينقش اسمه في ذاكرة الشعب السعودي وخاصة الجيل الجديد من أبناء الوطن. إنّ التحول الاجتماعي الذي حققة الاحتفال باليوم الوطني ليس شيئاً عابراً، فكل الذين كانوا يحاربون قيمة الاحتفال باليوم الوطني سواء من رموز الصحوة أو دعاة السياسة والفتن كانوا يحرّمون ذلك اليوم حتى إنّهم كانوا يلقبونه بيوم الوثن! فقد كان أولئك الرموز والدعاة يخدمون في الحقيقة مشروعهم السياسي والأممي لا أكثر! ولأنهم يدركون أهمية الوعي المتراكم في الذاكرة الشعبية، حيث سيكون للوطن قيمة أكبر تتنامى مع الزمن وهذا بكل تأكيد ضد مشجعي ومبشري الخلافة وأنصار ورموز الأممية السياسية القائمة على إلغاء البقع الجغرافية المحددة والتي تسمى اصطلاحاً في علم السياسة بالأوطان. أزمة الوطنية أمام الأممية تخلّقت من فرضية الصراع الذي سعى له أرباب جماعات الإسلام السياسي بقيادة الدين الإسلامي إليه وهو عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية كموطن للدين مما يتوجّب تجاوزها، ولكن الذي لا يدركه هؤلاء أن الوطن لم يكن يوماً عائقاً، خصوصاً للدين الإسلامي الذي ينتشر في كل الأرض ليس بسبب أمميته السياسية، كما يريدون، بل بسبب قيمه الأخلاقية التي تترفّع أن تنزل إلى الأرض لتنطلق من مساحة جغرافية. الدين والوطن تشكيل واحد لا يمكن أن ينفصلا في الإنسان الطبيعي، فلا إنسان يستطيع العيش من دون وطن، ولا إنسان يستطيع العيش من دون عقيدة مهما كان نوعها، الأزمة في كيفية فهم هذا التقارب والقدرة على تفسيره لمصلحة الفرد وليس لمصلحة إسلام سياسي أو سياسة أيديولوجية! أزمة الهوية الوطنية وأهمية وجودها لأجل الحفاظ عليها وحتى لا تذوب أو يستعسر فهم كيف لهذه "الهوية"أن تتشكل من دوائر انتماءات أكبر؟! إن تحديد نقطة انطلاق فكرية واحدة تتجمع حولها الآراء مهما اختلفت والاتجاهات مهما تباينت، مما يشكل وحدة فكرية بها تستقيم حياة وطن واحد له حدوده التي يتوقف عندها الانتماء لا أن يكون الانتماء عابراً للقارات والحدود. لذلك فإن ضرورة ترسيخ الشعور بحس الوطنية وممارسة المواطنة وعدم السماح لأي شيء يمكن أن يتعارض أو يؤدي إلى تدني شعور الانتماء وتدني روح الرابطة المعنوية مع الوطن مما يسهل على البعض الانسياق وراء جماعات أو تيارات أو أجندة دول معادية وتمتلك القدرة على تعبئة أولئك فكرياً ونفسياً لمصلحة مشاريعها السياسية المعادية والتي تستهدف وتمس أمن الوطن واستقراره وتنميته ورخاء شعبه. ونحن في هذه المناسبة الوطنية وفي مثل هذا التوقيت أمام فرصة ذهبية سانحة تتجدد عيداً لكل السعوديين في كل عام وأمام كل مسؤول في المقابل هي مهمة نفسية واجتماعية لترسيخ الوطنية، وبنفس الوقت لدينا فرصة سانحة لبناء المواطنة بشكلها الصحيح، حيث يتطلب الأمر فهم معادلة المواطنة والوطنية من ثلاثة جوانب مهمة (الجانب السياسي، الجانب الاجتماعي، الجانب الاحتفالي) وإن طغيان أحد هذه الجوانب على الآخر سوف يجعل هذه المناسبة غير مكتملة الأضلاع، ولذلك لا بد من ترسيخ تلك الجوانب وتعزيز الوعي الشعبي بها، وهذا يتطلب وجود مسؤولية مشتركة بين مؤسسات المجتمع لتنفيذ تلك المعادلة كل بحسب اختصاصه ومهمته.