غداً تحل علينا الذكرى العشرون لأهم حدث أثر ويؤثر على عالمنا خلال هذا القرن ذلك أنه في 11 سبتمبر عام 2001 قامت مجموعات صغيرة من الخاطفين بالاستيلاء على أربع طائرات كانت تحلق فوق شرقي الولاياتالمتحدة، واستخدمتها لضرب مبان بارزة في نيويوركوواشنطن، ضربت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بينما دمرت الطائرة الثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن، وتحطمت الطائرة الرابعة في حقل في ولاية بنسلفانيا، ويُعتقد أن الخاطفين كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول (مقر مجلسي النواب والشيوخ) في واشنطن العاصمة. هذا الحادث كما هو معلوم أسفر عن مقتل نحو 3 آلاف شخص وبعده شنت الولاياتالمتحدة حربها الطويلة ضد الإرهاب منطلقة من أفغانستان التي تنسحب منها اليوم طارحة السؤال التقليدي.. ماذا تريد أمريكا من أفغانستان بعد هذا الانسحاب؟. إن النظرة العامة هنا في واشنطن إلى أي تهديد يمكن أن يطال الولاياتالمتحدة من أفغانستان لا يرى الكثيرون ضرورة التوقف عنده إذ أن الحروب "لم تعد تقليدية بين دول وجيوش نظامية كما كانت حروب السبعينيات من القرن الماضي، بل أصبحت حروبا غير مباشرة وغير متساوية، بين جيوش تابعة لحكومات بتقنيات متطورة، وحركات راديكالية ذات عتاد يدوي محدود لا يزيد في أغلب الحالات عن بنادق وأحزمة ملغومة وطائرات مسيرة وأيضا فواقع الحروب المعاصرة أصبح مجرد أعمال مراقبة وترصّد وكرّ وفرّ، تدور في أغلبها على طريقة حرب العصابات بين دول وأطراف غير دولية. ولم تعد هناك أرض معارك معروفة، أو خط تماس واضح بين الطرفين، باختصار، ليس للإرهاب عنوان بريدي" كما سمعت من سيناتور في الكونغرس. قبل أشهر أعلن الرئيس بايدن أنه طلب من الرئيس الأفغاني أن يحكم بالشراكة مع حركة طالبان، وأن الأخير رفض، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن التفاهم بين أمريكا وطالبان ليس فقط وليد اللحظة ولم ينظم دخولها السلس للعاصمة، إنما امتد لسنوات منذ الحوارات التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، ومهما يكن من أمر فإن الولاياتالمتحدة قبل هذا الانسحاب قد حققت في حربها على الإرهاب بعض النجاح التكتيكي، فقد قتلت بعض القادة واعتقلت بعضهم، وطردت تنظيم داعش من مناطق سيطرته، لكنها لم تتمكن من القضاء على أي من التنظيمات المتشددة، لكن لا بد من الاعتراف بأنها أهملت الأسباب الجذرية للإرهاب". اليوم ماذا تريد الولاياتالمتحدة من أفغانستان طالبان؟ هناك من يقول إن أمريكا ستحاول أن توظف طالبان فى صراعها مع إيران كما ستعمل على توظيف ورقة الإسلام السياسي في بعض الأدوار الإقليمية، بشرط ألا تكون طالبان ملاذًا لأي جماعات إرهابية وظاهر لنا جميعاً كيف حرصت طالبان على أن تغير شكل خطابها وليس مضمونه كأحد مسوغات هذا التفاهم مع أمريكا وكذلك عدم وصف الرئيس بايدن لها بأنها حركة إرهابية. قد يقول قائل إن طالبان قد تكون قبِلت العمل ضد اثنين من أبرز خصوم الولاياتالمتحدة، وهما إيران التي تجمعها معها حدود طويلة تصل إلى نحو ألف كيلومتر، والصين التي تُجاورها أيضًا ولكن حدودها المشتركة أقل بكثير، لكن ليس هناك من اتفاق معلن بين أمريكا وطالبان بهذا الشأن ولا حتى في جوانب اقتصادية بالإضافة إلى أنه ليست لطالبان مصلحة في معاداة دولة كبرى تمد اليد إليها، ويمكن أن تفتح العلاقة الطيبة معها أفقًا لتنمية اقتصادية تشتد حاجة أفغانستان إليها، ودولة ثانية ساعدتها في حربها الطويلة ضد الأمريكيين فالصين قد أعلنت انها مستعدة لضخ استثمارات لربط أفغانستان مع باكستان ضمن مشروع الحزام والطريق ورغم التناقض بين طالبان وملالي إيران تسعى إيران إلى البناء على تحالف ضمني فرضته الظروف ضد الأمريكيين. كثير ممن التقيتهم هنا في واشنطن هم على قناعة بأن أمريكا ستسعى لإيجاد «صفقة تفاهم» مع طالبان، سواء بالحديث عن ترتيبات أمنية، أو عن خطوط حمراء يجب أن تلتزم بها في مقابل دعم اقتصادي وقبول دولي ترعاه الولاياتالمتحدة وتوفر له اللقاءات والمؤتمرات الاقتصادية التي تدعمه وأيضاً لا شك فستطلب القوى الإقليمية وقبلها الولاياتالمتحدة تأكيدات من طالبان بالامتناع عن إيواء المتطرفين وتغليب مصالحهم الاقتصادية، ولتحقيق هذه الغاية، قد يأخذون زمام المبادرة في صنع السلام الأفغاني. قبل مدة طرحت تساؤلا على أحد أعضاء الكونغرس وهو، لماذا لا نجد الكونغرس الأمريكي يحرك ساكناً ويجري تحقيقاً حول الطريقة التي سلمت بها القوات الأمريكية مخازن الأسلحة والمعدات والآليات الحديثة لحركة طالبان؟ فبادرني هو بسؤال آخر وهو، لماذا لم يتم حتى الآن محاسبة مسؤول واحد عن الأرواح التي أزهقت في هذه الحرب سواءً من الأفغان أو من الجنود الأمريكيين؟. في الخلاصة فإن ما آلت إليه الأمور خلال الأسابيع الماضية لم يكن نتيجة هزيمة عسكرية كارثية للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، بل هو في رأيي اتفاقية سلام جرى التفاوض عليها بعناية فطالبان تريد علاقات جيدة مع المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في البلاد، لكن التعاون مع الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم داعش يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عنيف يدفع المزيد من المتطرفين في طالبان وغيرها إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة ويبقى السؤال.. هل ستلجأ طالبان كما العراق إلى رمي كثير من الملفات المستعصية في سلة الحلول الأمريكية في مستقبل الأيام؟.