بينما كانت حركة طالبان تعمل على بسط سيطرتها على كابول، تعرّضت العاصمة الأفغانية لهجوم دموي تبناه الفرع المحلي لتنظيم داعش الإرهابي، في ضربة تسلط الضوء من جديد على وحشية هذه الجماعة المتطرفة وتثير مخاوف الغرب. وقُتل نحو مئة مدني و13 جندياً أميركياً في التفجير قرب مطار كابول في 26 أغسطس، الهجوم الأكثر دموية ضد قوات الولاياتالمتحدة منذ 2011 في أفغانستان والأكبر ضد الجيش الأميركي الذي ينفذه تنظيم داعش في أفغانستان. ووقع الهجوم قبل أيام من أن تبدأ في باريس الأربعاء محاكمة المتّهمين في هجمات 13 نوفمبر 2015 التي أوقعت 130 قتيلاً، والتي تبناها تنظيم داعش عندما كان في أوج قوّته، وفيما تستعد الولاياتالمتحدة لإحياء ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ورغم أنّ تنظيم القاعدة، خصم داعش (كما يروج إعلامياً)، تبنى أكبر هجوم في التاريخ الحديث ضد الولاياتالمتحدة، إلا أنّه شكّل مصدر إلهام للمتطرفين من جميع الانتماءات. وقالت المحللة في معهد أميركان إنتربرايز ومقره واشنطن كاثرين زيمرمان: إنّ "وكالات الاستخبارات الغربية يجب أن تكون في حالة تأهب بالفعل المتطرفون دعوا إلى شن مزيد من الهجمات على الغرب". فجوة أمنية لكن مصدر الخطر الرئيس قد تغيّر خصوصاً منذ انهيار "دول الخلافة -كما كان يخطط ويتمنى مسيروها-" تحت ضربات التحالف الدولي. وبحسب محلّلين، فإنّ تنظيم داعش قد لا يكون قادراً في المرحلة الحالية على شن هجوم في الغرب على غرار الهجوم المعقد في 2015 في باريس. ورغم ذلك، تبقى فروعه المحلية في نيجيريا ومالي واليمن ناشطة، فيما تبنى التنظيم في العراق، الأنشط في العالم، الأحد قتل 13 ضابطاً في الشرطة الاتحادية. ويملك تنظيم داعش الناشط على شبكات التواصل الاجتماعي، خبرة في كيفية حشد المقاتلين، خصوصاً بفضل خطابه المتماسك، وتدرك الأجهزة الأمنية أنها لا تستطيع أن تضمن عدم قيام مناصر للتنظيم بتنفيذ هجوم فردي على غرار هجوم الجمعة في نيوزيلندا. في كابول، كان هجوم تنظيم داعش أكثر رمزية لأنه وقع على الرغم من تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن من احتمال تنفيذ ضربة. ويشير الباحث في معهد الدراسات السياسية في باريس جان بيار فيليو إلى أنّ "عجز واشنطن عن منع مثل هذا الهجوم المعلن عنه على الملأ، يسمح لتنظيم داعش- ولاية خراسان بتضخيم قدرته على تنفيذ ضربات دامية". ورأى أنّ "المواجهة المباشرة بين القوات الأميركية وطالبان خلقت فجوة أمنية يمكن أن يستغلها المهاجمون المتطرفين". نمو الإرهاب سارع المتعاطفون مع تنظيم داعش إلى استغلال الهجوم في العاصمة الأفغانية، وقالت جماعة "هدم الأسوار" المتطرفة: إن "كابول لنا"، واضعة الأميركيين و"مرتدي طالبان" في الخانة ذاتها. ويعتبر تنظيم داعش - ولاية خراسان حالياً "رابع أنشط التنظيمات في العالم منذ بداية العام"، كما يشير الخبير في شؤون الجماعة المعروف على تويتر باسم "السيد كيو". وقال: "الهجوم على كابول "يعيد تنظيم داعش - ولاية خراسان إلى قلب الاهتمام السياسي والإعلامي". في شرق سورية ما زالت خلايا تنشط وتنفذ عمليات بين وقت وآخر، "بدأ التنظيم بين عامي 2019 و2020 تدريب عناصره على تنفيذ هذا النوع من الهجمات خارج العراق وسورية وربما خارج الشرق الأوسط"، على حد قول الدبلوماسي الأميركي والمبعوث الخاص السابق للتحالف الدولي ضد التنظيم جيمس جيفري. ومن هذا المنطلق، تُبقي الدول الغربية أعينها مفتوحة على احتمال وقوع هجمات، وقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية أغسطس من العراق إلى عدم التخاذل لأنّ التنظيم "لا يزال يشكل تهديدًا". كما توعّد بايدن تنظيم داعش في أفغانستان بمزيد من الرد، قائلاً "إلى تنظيم داعش - ولاية خراسان: لم نفرغ منكم بعد". وحذّرت زيمرمان من أنه إذا تُرك التنظيم من دون رادع "فليس من الصعب أن ينمو التهديد الإرهابي في أفغانستان ويمتد إلى المنطقة وحتى إلى الغرب".