ارتفعت الجمعة حصيلة الهجوم الانتحاري المزدوج الذي نفّذه تنظيم الدولة الإسلامية في مطار كابول إلى 85 قتيلاً بينهم 13 جندياً أمريكياً، في ظلّ أجواء متوترة قبل أيام من الانتهاء المرتقب لعمليات إجلاء الأجانب والأفغان الذين يحاولون الفرار من نظام طالبان الجديد. وأثار الهجوم الذي وقع الخميس عند حلول الظلام، الفوضى والذعر في صفوف آلاف الأفغان الذين احتشدوا في المكان على أمل الصعود على متن إحدى الطائرات التي استأجرتها الدول الغربية. وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات القتلى والجرحى، ممدين في مياه قناة صرف صحي، ويحيط بهم مسعفون مشغولون للغاية وغير مجهزين. وكان رجال ونساء وأطفال يركضون في كل الاتجاهات للابتعاد عن مكان الانفجار. وأدى الهجوم المزدوج إلى مقتل 13 جندياً أمريكياً على الأقل وجرح ثمانية آخرون، بحسب البنتاجون، وهو الهجوم الأكثر دموية ضد الجيش الأمريكي في أفغانستان منذ 2011. وفيما يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن أخطر أزمة منذ بداية عهده يبدو أنها أضعفته، فقد تعهّد ب»مطاردة» منفّذي الهجوم و»جعلهم يدفعون ثمن» قتلهم العسكريين الأمريكيين، وقال بلهجة صارمة إن «أمريكا لن تسمح بترهيبها». وتحت اسم «الدولة الإسلامية-ولاية خراسان»، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم وهو من بين أكثر الهجمات دموية في أفغانستان في السنوات الأخيرة التي أسفرت عن مقتل المئات، خصوصاً من الشيعة. لكن رغم أنهما تنظيمان سنيّان متطرفان، إلا أن التنظيم وطالبان في تنافس ويتبادلان الكراهية. السعودية تستنكر والعالم يندد عبرت وزارة الخارجية عن إدانة المملكة واستنكارها الشديدين للهجوم الإرهابي الذي استهدف مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة الأفغانية كابول، وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى؛ ولا زالت المملكة تتابع باهتمام الأحداث الجارية في جمهورية أفغانستان الإسلامية الشقيقة. وأعربت الوزارة عن أمل المملكة باستقرار الأوضاع في أفغانستان بأسرع وقت، مُؤكدة في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني، وجددت وزارة الخارجية التأكيد على موقف المملكة الرافض لهذه الأعمال الإجرامية التي تتنافى مع المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والإنسانية كافة. ونددت دول العالم بالهجوم مشيرةً إلى أنه ينبغي ألا يمنعها من مواصلة عمليات الإجلاء الهائلة التي سمحت حتى اليوم بمغادرة 100,100 شخص، بحسب البيانات الأخيرة التي نشرها البيت الأبيض مساء الخميس. ودانت حركة طالبان الهجوم، وقال الناطق باسمها ذبيح الله مجاهد «تدين الإمارة الإسلامية بقوة التفجير الذي استهدف مدنيين في مطار كابول»، مشدّداً على أنّ «الانفجار وقع في منطقة خاضعة أمنياً لمسؤولية القوات الأمريكية». الكل يتسابق للإجلاء من كابول على غرار ألمانيا وهولندا والسويد وكندا وأستراليا، أكدت لندن أمس أن عملياتها للإجلاء ستنتهي خلال «بضع ساعات». من جهتها، أشارت باريس إلى أنها يمكن أن تواصل عمليات الإجلاء من أفغانستان بعد مساء الجمعة، رغم أن رئيس الوزراء جان كاستكس صرح الخميس أن فرنسا تنوي استكمال عمليتها مساء الجمعة حسب المهلة التي «فرضها» الأمريكيون. كما أعلنت السويد أنها أنهت أمس عملياتها للإجلاء من كابول، بعدما أجلت أكثر من 1100 شخص منذ سقوط أفغانستان في أيدي طالبان، وهذا ما ورد أيضا في تصريحات أدلى بها صباح الجمعة وزير النقل جان بابتيست جباري الذي تحدث لقناة «سينيوز» عن «آخر الرحلات هذه الليلة». سيناريو كارثي لبايدن تحوّل انتهاء مهمة الولاياتالمتحدة في أفغانستان مع مقتل 13 جندياً أمريكياً إلى سيناريو كارثي بالنسبة للرئيس جو بايدن الذي يواجه أخطر أزمة في عهده ويبدو مقيد اليدين أمام وضع لم يتوقعه أبداً. وأشاد بايدن فيما كانت عيناه مغرورقتين بالدموع، بهؤلاء «الأبطال» الذين سقطوا في الهجوم الأكثر دموية بالنسبة للجنود الأمريكيين من أغسطس 2011. تحدث بايدن بلهجة صارمة وكأنه يردّ على الاتهامات بالضعف، وتوجه لمنفذي الهجوم بالقول «سنطاردكم وسنجعلكم تدفعون الثمن». بينما يتعرض بايدن أيضاً لانتقادات متزايدة لتجنّبه الردّ على أسئلة الصحافيين، أظهر انزعاجه فأغمض عينيه وأحنى رأسه مصغياً إلى صحافي من قناة «فوكس نيوز» المحافظة يسأله حول «مسؤولياته» الخاصة في هذه المسألة. ويرى رئيس مجموعة «أوراسيا غروب» البحثية إيان بريمر في حديث لوكالة فرانس برس «أنها أزمة كبيرة في عهده» معتبراً أنه «فشل للاستخبارات، فشل للتخطيط، فشل للتواصل، فشل للتنسيق مع الحلفاء». لم «يتوقع» الرئيس، باعترافه الشخصي، الانهيار السريع للجيش الأفغاني الذي درّبته واشنطن وجهّزته وموّلته، وسقوط كابول بين أيدي حركة طالبان. من جهتها اعتبرت النائبة الجمهورية إيليز ستيفانيك أن «يدي جو يادين ملطختان بالدماء» مضيفةً إنه «غير قادر على أن يكون القائد الأعلى». ويقول أستاذ العلوم السياسية مارك روم لفرانس برس، «لا أعرف إن كان بايدن سيبقى ضعيفًا على المدى الطويل» جراء الأزمة الأفغانية، مشيراً إلى أن «الجمهوريين سيفعلون كل ما بوسعهم كي تكون الحال كذلك». وتراجعت شعبية بايدن منذ عشرة أيام في استطلاعات الرأي، رغم أن جزءاً كبيراً من الأمريكيين المرهقين من حروب الولاياتالمتحدة «التي لا تنتهي»، يعتبرون على غرار الرئيس، أنه كان ينبغي مغادرة أفغانستان. إردوغان يعلن إجراء أول محادثات مع طالبان أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس أن تركيا أجرت أول محادثات لها مع طالبان في كابول، موضحًا أن أنقرة ما زالت تجري تقييما لاقتراح الحركة الإسلامية لإدارة مطار العاصمة الأفغانية بعد الانسحاب الأمريكي. وقال إردوغان للصحافيين «أجرينا أولى محادثاتنا مع طالبان واستغرقت ثلاث ساعات ونصف»، وأضاف: «اذا لزم الأمر، ستتاح لنا الفرصة لإجراء مثل هذه المحادثات مرة أخرى». وكانت تركيا عرضت أولا المساعدة في تأمين وإدارة المطار في العاصمة الأفغانية لكنها بدأت الأربعاء في سحب قواتها من أفغانستان، ملمحة بذلك إلى تخليها عن الهدف.