التطوع عمل إنساني جميل لا يقوم به إلاّ أصحاب القلوب الكبيرة والهمم العالية والنفوس الطاهرة، نشاهده عادة في المواقع الإنسانية مثل الجمعيات الخيرية وفي الأماكن العامة، لكن ظهر جلياً خلال مراكز لقاحات كورونا، حيث شاهدنا الشباب والشابات السعوديين كيف يقومون بأدوار كبيرة وكأنهم يعملون في هذا المجال من سنوات طويلة. والتطوع بصفة عامة جهد يبذله الإنسان بلا مقابل لمساعدة الآخرين رغبةً منه في نيل الأجر والثواب، وهو يختلف من شخص لآخر حسب القدرة البدنية والمالية، وقد يكون على شكل أفكار ودراسات تقدم للمجتمع، ودولتنا -حفظها الله- أولت هذا الجانب اهتماماً خاصاً وأنشأت له المراكز ودعمته بالكوادر الوطنية وهو أحد البرامج التي ارتكزت عليها رؤية المملكة 2030 والتي حددت هدفه بمليون متطوع. دعم كبير وقال د. عمير العنزي -مساعد وكيل جامعة الحدود الشمالية أستاذ القيادة التربوية المشارك-: يحظى العمل التطوعي في المملكة بدعم كبير من الدولة وتشجيعها ورعايتها وبتضافر الجهود الحكومية والأهلية، والعمل الاجتماعي له مكانته في خطط التنمية وبرامج الدولة التي ركزت عليها في رؤية المملكة 2030، ويعتبر العمل التطوعي أحد أهم مرتكزات رؤية المملكة التي تهدف لإيصال المتطوعين إلى مليون متطوع بواقع خمسة أضعاف العدد الحالي؛ ليصبح المواطن السعودي وسيلة التنمية وغايتها من خلال نشر مناخ إيجابي فعال بين أفراد المجتمع تتضافر فيه الجهود وتتشارك معاً القدرات وتُسخر فيه الإمكانات، مضيفاً أنه دُعم هذا النشاط بإنشاء إدارة عامة للتنمية الاجتماعية وإدارة عامة للمؤسسات والجمعيات الأهلية لتنظيم جهود الأفراد والجماعات وتوجيههم للعمل المشترك مع الجهود الحكومية لتحقيق التكامل بينها من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي للاستفادة من الإمكانات والطاقات بأسلوب يوائم بين حاجات المجتمع وتقاليده وقيمه الدينية والحضارية. تنظيم الأعمال التطوعية عبر المؤسسات الحكومية والجهات المرخصة عناية خاصة وأوضح د. العنزي أن حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظها الله- تولي العمل التطوعي عناية خاصة ويحظى منها بكل دعم وتأييد، ويتمثل الدعم المعنوي بالإشراف على أعمال الجمعيات الخيرية وتوجيهها والعمل على تسهيل مهمتها لما يحقق أهدافها بفاعلية، وسرعة منح المتخرجين من الدورات التدريبية التي تقيمها شهادات مصدقة من الوزارة، إضافةً إلى القروض للمتخرجين من هذه الدورات من بنك التنمية الاجتماعية السعودي للمساعدة في إقامة مشروعات فردية، مضيفاً أن الدعم المادي يتمثل في تقديم الإعانات المتنوعة وفقاً للائحة منح الإعانات للجمعيات الخيرية، الذي يتيح للجمعيات الخيرية الاستفادة من الإعانات التأسيسية بعد تسجيل الجمعية رسمياً، وإعانة سنوية تصرف للجمعية بعد انتهاء سنتها المالية وقد تصل هذه الإعانة إلى 85 % من إجمالي مصروفاتها، بالإضافة إلى إعانة إنشائية وفنية وعينية وطارئة تمنح في الحالات الاستثنائية، وكذلك تخصيص الأراضي لإقامة منشآتها الخيرية عليها وغيره الكثير، مؤكداً على أن العمل التطوعي تنعكس آثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع، فهو يساعد في منح الفرد الشعور برضا الله عز وجل، ويساعد في منح الثقة بالنفس وتقوية الشخصية، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني كما يمنحه الشعور بأهميته وفعاليته في المجتمع ويحول الطاقات المكبوتة إلى طاقات منتجة. زكاة قدرات وتحدث د. سعد الفليح- أكاديمي- قائلاً: إن المجتمع السعودي مجتمع تطوعي بطبيعته ومتقدم في هذا الجانب، مضيفاً أنه لاحظ تطوراً كبيراً في مجال التطوع بالمجتمع ليس بالكم فقط وإنما بالنوع لما يسمى التطوع الاحترافي، فأصبحنا نرى تطوع الأطباء لإجراء العمليات المعقدة وتطوع المدربين بتقديم الدورات التدريبية أو بتخصيص مقاعد مجانية للباحثين عن عمل، أو تطوع كبار التنفيذيين بقيادة أو تقديم الاستشارات للمؤسسات غير الهادفة للربح، وكذلك تطوع الممارسين الصحيين أثناء جائحة كورونا في صور عظيمة للتطوع وتكاتف المجتمع السعودي الشهم، بل إنه حتى المشاركة الجادة بالمنصات الاجتماعية تعتبر تطوعاً، ذاكراً أن التطوع يعتبر زكاة قدرات الفرد فكما أن ذا المال يزكي ماله فينبغي لصاحب العلم أن يمنح بعضاً من علمه لمجتمعه، وكذا صاحب القوة يقوم باستخدام قواه لصالح مجتمعه، وصاحب الفكر يستخدم أفكاره للصالح العام، وبهذا يشعر المتطوع بالرضا الذاتي والسعادة الناتجة عن الإحساس بالنفع المتعدي، مشيراً إلى أن الدولة وضعت هدفاً عظيماً في رؤيتها وهو أن يصل عدد المتطوعين إلى مليون متطوع بحلول عام 2030، وقامت أغلب الجهات بتبني هذا الهدف والسعي إلى تحقيقه. جزء أصيل وأكدت د. سعاد المولد -طبيبة- على أن التطوع في المجتمع السعودي جزء أصيل من أخلاقياتنا وعاداتنا ترسخت لدينا من تعاليم ديننا الحنيف، وهو ليس بغريب على مجتمعنا الذي يمد يده بالعون والمساعدة لمن يحتاج داخلياً وخارجياً دون انتظار مردود، بل بداعي المسؤولية المجتمعية والألفة والترابط بين أطياف المجتمع، وهو ما يسهم في تعزيز شعور الفرد بالانتماء للمجتمع، مضيفةً أن العمل التطوعي عمل منظم ومنسق فهو يعزز الحياة المهنية ويعمل على إعداد المتطوعين غير العاملين لسوق العمل، ويعتبر وسيلة لملأ الفراغ لدى الشباب واستغلال طاقاتهم وإبداعهم بعمل يعود عليهم وعلى مجتمعنا بالنفع، ويبعد عنهم الأفكار والخطط الهدامة التي قد تصلهم من أعداء وطننا وبالتالي يصبحون عوناً وسنداً لبلدهم وفق رؤيتها، منوهةً أن دولتنا -حفظها الله- لم تغفل عن هذا الجانب المجتمعي المهم حيث حرصت على دعم الأعمال التطوعية والحث عليها، كما سُنت القوانين لتنظيم العمليات التطوعية عبر المؤسسات الحكومية والجهات المرخصة فقامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بتنظيم صناديق البر الخيرية، كما تم تدشين منصة العمل التطوعي والتي تهدف إلى دعم مبادرات رؤية المملكة 2030 وهي مرتبطة بمركز المعلومات الوطني لتوثيق الأعمال والساعات التطوعية لكل متطوع، وهذا التنظيم الذي يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها ويقطع على مستغلي هذه المساعدات في أعمال خارجة عن إطار العمل الخيري أو أعمال مشبوهة، لذا تم بالأمر السامي الكريم إنشاء منصة إحسان وهي منصة وطنية للعمل الخيري تعمل على استثمار البيانات والذكاء الاصطناعي لزيادة أثر المشاريع التنموية وضمان استدامتها بمختلف المجالات، هذا بالإضافة إلى دور المملكة الريادي في تنظيم المساعدات الخارجية للمجتمعات الدولية بإنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الانسانية والذي يهدف إلى تقديم المساعدات للمحتاجين في العالم. العمل التطوعي يُعتبر وسيلة لملء الفراغ واستغلال الطاقات يحظى العمل التطوعي بدعم كبير من الدولة د. سعد الفليح د. عمير العنزي د. سعاد المولد