ماذا يحتاج عملنا الإنساني لتطويره في يومه العالمي 19 أغسطس 2021؟ سؤال قد يتبادر لذهن كل عامل في هذا المجال سواء كان متطوعاً أو موظفاً في مؤسسات العمل الإنساني الحكومية منها وغير الحكومية لخدمة المعوزين وضحايا الكوارث والأزمات والحوادث العامة، ولعل الاحتفال بهذا اليوم ينحصر في يوم واحد كل عام فقط، نتبادل فيه عبارات الإشادة بالعمل الإنساني، بل يجب أن يكون الاحتفاء مستمراً لإبراز أهمية العمل الإنساني وتطويره كوننا في أمس الحاجة له للتخفيف من المعاناة الإنسانية التي تتزايد يوماً بعد يوم، حيث التغيرات المناخية والكوارث الناتجة عنها والنزاعات المسلحة في كثير من مناطق العالم، وخاصة في منطقتنا العربية بكل أسف. لهذا فحاجتنا إلى العمل الإنساني وممارسته لا تقتصر على يوم واحد بل هي مستمرة وتتزايد حالياً أكثر من أي وقت مضى، من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية وتضميد الجراحات ومساعدة المتضررين من الكوارث والحد من آثارها، مما يحتّم تفعيل العمل الإنساني من خلال تحفيز العاملين فيه بتقدير إسهاماتهم وما بذلوه من جهود في التخفيف من أضرار الكوارث والنزاعات المسلحة، فلنبعث لهم كل يوم رسالة شكر وتقدير على الأقل لتشجيعهم للمضي قُدماً لتأمين المساعدة للفئات الأكثر عوزاً، وتسهيل مهمتهم بسن التشريعات وتبسيط الإجراءات. وإننا في مؤسساتنا الإنسانية نتطلع إلى استثمار هذه الاحتفالية العالمية في إعادة "تموضع العمل الإنساني" من خلال مضاعفة الجهود للتعامل بوعي مستنير ومسؤولية كبيرة في مواجهة الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية باتباع منهجية التخطيط المسبق لإعداد البرامج المناسبة للحد والتخفيف من تداعياتها، وتقديم جميع مستلزمات الإغاثة والمساعدة للمتضررين منها، والعمل على التقليل من نسبة وقوعها في المستقبل، وتطوير مفاهيم ومبادئ ثقافة الوقاية والحماية الذاتية من أخطارها، مع تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة آثارها المحتملة والتصدي لها، والعمل على رفع الوعي نحو التنمية المستدامة قبل تفاقم الأضرار المناخية والمخاطر الطبيعية خصوصاً في الدول الساحلية كونها أكثر عرضة لتغير المناخ، وتأسيس هيكلة جديدة أكثر فاعلية وكفاءة لتمويل البنية التحتية بما في ذلك مشاريع التكيّف والصمود في وجه هذه التغيرات المناخية، وتوعية المواطنين بأهمية المساهمة في مواجهتها، واعتماد الاستراتيجيات المستدامة لإدارة الأراضي وإعادة إحيائها من أجل زيادة تخزين الكربون أو تجنب الانبعاثات الدفيئة، وإعادة التشجير وحماية الغطاء النباتي، وإشراك الإدارات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني من خلال تفعيل دورها التوعوي في التخفيف من آثار تغيّر المناخ والانخراط في التعاطي الدولي سواء من خلال مؤتمرات الأممالمتحدة أو الملتقيات والمؤتمرات الأخرى للمنظمات العالمية. وفي احتفالية اليوم العالمي للعمل الإنساني حريٌّ بنا أن نضع في اعتبارنا المعاناة الإنسانية للاجئين والنازحين الذين اضطرتهم الكوارث الطبيعية والصراعات المسلحة لترك كل شيء خلفهم في أوطانهم وهربوا باحثين عن ملاذ آمن لهم ولأسرهم، والعمل على مساعدتهم وتلبية احتياجاتهم المتزايدة وتأمين الحماية اللازمة لهم، وتوفير بيئة أفضل لهم وللمجتمعات المضيفة، خاصة أنهم يواجهون معاناة إنسانية غير مسبوقة، ما يحتّم تعزيز التعاون الدولي في تأمين استجابات فعّالة وعملية لخدمتهم، وبحث سبل الدعم المساعدة لهم، وتسليط الضوء على التهديدات التي دفعتهم للجوء والتعامل مع قضيتهم كقضية إنسانية بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، والاستفادة من التقنية الحديثة في توفير مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم وتوفير الأمن الصحي والاجتماعي لهم، وتأمين خدمات التعليم والتدريب لهم وغير ذلك من الاحتياجات الخدمية وتحسين حياتهم نحو الأفضل، والحفاظ على حقوقهم كاملة وفق اتفاقية عام 1951 وبروتوكول عام 1967 والسعي إلى إعادتهم لبلدانهم وتمتعهم بالحماية القانونية من الملاحقة بتهمة الدخول غير القانوني للدول المشتركة في الاتفاقية، والحق في السكن والعمل والحصول على التعليم والمساعدات العامة والحصول على وثائق الهوية والسفر وغير ذلك من الحقوق. في هذا اليوم العالمي لا بد من التأكيد على أهمية العمل التطوعي كركيزة فاعلة في نمو المجتمعات، وسن الأنظمة ووضع الآليات والإجراءات الداعمة له، ونشر ثقافته في نفوس الشباب منذ نعومة أظفارهم في سني دراستهم الأولى، واستقطابهم له وغرس قيم الإيثار والتطوع في نفوسهم وتعزيز مشاركتهم في مختلف الأعمال التطوعية، وتوظيفهم في المجالات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المجالات بما يعود عليهم بالمزيد من الانخراط في فعاليات المجتمع ويزيد من انتمائهم الوطني والمجتمعي، ويسهم في بناء قدراتهم وكفاءتهم، وتأهيلهم وتمكينهم في مجال العمل الإنساني، وصناعة جيل قادر على أداء العمل الإنساني وإدارته على أكمل وجه، مع الاهتمام بتبني مبادراتهم في وضع حلول واقعية لتحديات ومشكلات العمل الإنساني، وإزجاء صوت شكر للمتطوعين القائمين على العمل الإنساني. وفي احتفائنا باليوم العالمي للعمل الإنساني في هذا العام 2021 علينا أن ننطلق إلى رؤى طموحة لتطوير نظام إنساني عالمي قوي يعمل على إرساء أفضل الممارسات الإنسانية المشتركة الفاعلة بالشراكة مع المنظمات الدولية سعياً لإزالة مسببات النزاعات المسلحة ولتخفيف معاناة الملايين من البشر والتخفيف من تحديات العمل الإنساني في كثير من دول المنطقة، وخفض نعرات التعصب والتطرف والعنف، وتجنيب منتسبي القطاع الإنساني للانتهاكات الممنهجة، وتراجع معدل التمويل للعمل الإنساني وغير ذلك من التحديات التي تحتّم تبادل الممارسات الجيدة والخبرات بين الجهات العاملة في هذا المجال، وإطلاق مبادرات نوعية تعزّز الاستجابة الإنسانية وتدعم التنمية المستدامة، وتوفير التمويل اللازم للعمل الإنساني، وتفعيل الدبلوماسية الإنسانية في وضع حد للصراعات المسلحة، إضافة لنشر التوعية بأهمية العمل الإنساني في تعزيز الإخاء وإرساء قيم الإنسانية وإعانة الذين يصعب عليهم تلبية المتطلبات الحياتية. ونحن إذ نحتفل بهذه التظاهرة نرى أهمية الارتقاء بالخطاب الإعلامي الإنساني في منطقتنا العربية من أجل مواجهة القضايا والأزمات الإنسانية، لتكون رسالتنا الإعلامية الإنسانية ذات أبعاد سامية لتبني مشكلات المجتمعات الفقيرة ونشر الوعي بالقضايا الإنسانية؛ وتعزيز الاستجابة السريعة للنداءات الإنسانية التي تطلقها الهيئات والمنظمات المعنية من وقت إلى آخر لمساعدة المتضررين من الأزمات والكوارث، وذلك من خلال حث شركاء العمل الإنساني والمانحين على التسابق في خدمة ضحايا الأزمات الإنسانية، والعمل على الحيلولة دون حدوث المزيد من الأزمات، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والحوار بين أبناء المجتمعات ونبذ التعصب والكراهية ونبذ العنف المؤدي للأزمات الإنسانية وتعزيز دور الإعلام في فهم وإدراك ما يحيط بالإنسان من ظواهر وأحداث وتحديات، والتوعية بأهمية التسابق في خدمة وإغاثة المتضررين من الكوارث والأزمات الإنسانية. *أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر