الإذاعة كوسيلة إعلامية قد يرى البعض أنها تتراجع فعليًا في عدد من يتعاطى مع هذه الوسيلة عبر المذياع التقليدي، فمعظم الإذاعات وعلى غرار الصحف والشبكات التليفزيونية تكيفت مع المستجد التقني الهائل والمتغير الشبكي وباتت منصات الإذاعة تنحسر في الفضاء الواقعي، وتتواجد بشكلها ومضمونها الجديد في الفضاء الافتراضي، لتلبية حاجة عشاق هذه الوسيلة سواء من المتابعين التقليديين ومحبي المحتوى «الدسم» والثقيل، أو ممن يفضلون التعامل معها على المنصات التقنية الحديثة كالبودكاست الإذاعي الذي أصبح يشكل وسيلة فعالة تتلاءم مع طبيعة جمهور نشط ومتحرك يشعر بالتحرر من كل تقليدي ويتسم بالملل والتنقل الإعلامي بين مختلف الوسائل، وبتفضيل المحتوى الخفيف بحكم عدم توفر الوقت لديه للتعاطي مع المحتويات المطولة أو المعقدة في طبيعتها أو في تركيبتها. الإذاعة خصوصا الرسمية منها هي وسيلة استراتيجية، ومنصة مهمة، وذراع إعلامية جديرة في نقل الرسالة الوطنية، وتعزيز المحتوى الوطني، ودعم صورة الوطن إيجابيا لذا من الواجب استبقاؤها في صيغتها التقليدية مع بعض التطوير المناسب لجذب جمهور المحتوى الخفيف، وعمل توازن حقيقي لا تفريط فيه يؤدي للإخلال بقيمة المحتوى الوطني المنشود بثه. وإذاعة الرياض كإذاعة أصيلة شهدت حمل اللواء الإعلامي المسموع عقودا من الزمن، واستقطبت وخرّجت قامات إعلامية من المذيعين.. اليوم تشهد تراجعا في الاهتمام بها، ويقل دعمها، ويتأخر تطويرها ومراجعة احتياجاتها الحقيقية بعيدا عن منافسات الإذاعات الأخرى ذات الأهداف المختلفة. حتى وإن وفرت التطورات التكنولوجية الكبيرة بدائل اتصالية للجمهور يطمح المواطن العاشق، ويتمنى على هيئة الإذاعة والتلفزيون أن تجد لإذاعة الرياض والإذاعات السعودية مساحة لإعادة وهجها ومضمونها المثري والعميق في صياغة محتوى متوازن يلبي ويشبع رغبات المتابع التقليدي وهو «الأكثف» أو الجديد فالإذاعة منبر رائع لبث البرامج والأطروحات الثرية والعميقة والمؤثرة في الاتجاهات وكذلك هي منصة للحوار البنّاء وتبادل الأفكار خصوصا بوجود برامج «دسمة» تخاطب عقل المستمع وتمتّعه بالمضامين المناسبة كما كان في السابق، وتتذكر الفئات التي تعتمد على الإذاعة كالمكفوفين والبسطاء، ومتوسطي العمر، ومحبي الصوت الإذاعي الذين يعتمدون دوما على تلقي المحتوى إذاعيا. ويبقى القول: نطمح من رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإعلامي الأنيق، والمتمعن في قيمة الإعلام الإذاعي وكذلك نائبه الكريم أن تحظى الإذاعة بلفتة اعتدناها منهم كمسؤولين ومحبين لمراجعة واقع إذاعة الرياض وصياغة خارطة جديدة متزنة من البرامج المباشرة وغير المباشرة الثقيلة والزاخرة بالمتابعة لمستجدات الحراك الثقافي والاجتماعي كسابقها، والمرتبطة بهوية الوطن وقيم مجتمعنا.. في ظل تناغم بين الأصالة والغاية الوطنية كذراع وطنية واستراتيجية في شكل رصين وبين متطلبات المستجدات الحديثة في شكلها الديناميكي، والانتباه للجمهور الحقيقي للإذاعة السعودية وربطها مجددا بمضامين المنتج السعودي الإذاعي الغني بالتوعية والتثقيف والأخبار والتفكير وأحوال الناس.