أنت تعيش ذلك النوعَ من الحزن الذي لا فائدةَ منه أسميه الحزنَ الخامدَ أو الحزنَ الفاشل أنت غيرُ مشتعلٍ وغيرُ غاضبٍ لا تكتب.. ولا ترسم.. ولا تثور.. ولا حتى تصرخ.. تستلقي وتبتسم في وجه السقف حتى تَثقُلَ أطرافُك ويخدرَ عقلُك.. لكنك مع هذا حزينٌ لدرجة أنك لا تبكي معه! أنت تحتاج إلى حزن يرتطم بك دفعةً واحدة، ترتطم أرضاً حتى تُفيق.. حزن تحمله في دمك.. ومع هذا تبتسم في عيني النادل وتجزل له بالإكرامية تحزَنُ وتقرر أن تسهر الليلة تشرب قهوتك.. حتى تخدر أصابعك تتوسد حجراً من التعب.. فتسرق لحافك غزالة خائفة تسمع صوت عظامك تتحطم أو ربما ترمم نفسها أطنان من الملح تكدست في قلبك فأصبحت لا تقوى على تقبيل الكلمات ولا مسح دمعة جرت على وجنتيك تحزن أكثر فتبتسم في وجه الساكسفون ولوحات عتيقة لفنان نسيت اسمه تحزن فتهدي أغنية عبر المذياع تتخيل أن ثمة من يسمعها وتقصده تميل إلى النافذة حتى ترتطم بزجاجها مثل سمكة جائعة في حوض ارتطام يجعلك يقظًاً للفرص، وللفرح.. لتقول له آتٍ بكل ما فيَّ يعجبني أن تشاركني همك وفقدَك وجرحَك وأنت تلتهم الشطائر بعافية ممتنة ترمي به بريئاً ثم تعانقه على وسادتك أو تذبحُه على سجادتك.. الحزن.. جميل جداً كما يعلمنا مظفر النواب: »والليل عديم الطعم بدون هموم والناس خريف يمطر والأيام على الذل سموم إياك وإن عُرِّيتَ أمام العالم أن تيأس ثَمَّ قتالٌ شرسٌ باقٍ ما بقي الله ويحتاج سلاحاً وحدوداً داخل رأسك»