إنّ ما حدث في تونس يعدُّ شكلًا من أشكال المحاكمة السياسية والبرلمانية لرئيس مجلس النواب راشد الغنوشى المتهم صراحة وعلانية بأنه عميل لتركيا، وخاضع لتوجهات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. "بعد أن حلمنا سنوات طويلة بالحكم، وعندما وصلنا بعد عام واحد فقط أخذوا منا هذا الحلم"، ما سبق قول للقرضاوي كبيرهم الذي علمهم السحر، وكان سياسيون وخبراء قد أكدوا أن "سقوط حكومة الإخوان في مصر سيسقط معه تنظيماتها في بعض الدول العربية والخليجية والإقليمية، وستكون نقطة البداية لنهاية خلايا الجماعة في المنطقة "، وقبل ما يزيد على العامين سقط حكمهم في السودان الذي استمر 30 عامًا قضى على كل مظاهر الدولة، ومنذ أول يوم في الثورة التي أطاحت بعمر البشير، كان هتاف الثائرين "تسقط الكيزان" جزءا أصيلا من شعارات الشارع المنتفض ضدهم، ويعنون به رموز الحركة الإسلامية. أمّا سقوط حكومة الإخوان المفسدين في تونس منذ أيام فكان سقوطًا مدويًا، استبشر به كل أسوياء العالم وعقلائه، ولا عزاء لإخونج الخليج العربي الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى الساعة. ولا ريب أن الجماعة تتعرض لمستقبل مظلم يليق بأفعالها ومشاريعها الخبيثة التي رسمتها للمنطقة العربية ولدول الخليج العربي على وجه الخصوص، فكلما مرت الأيام اشتد الحبل حول أعناقهم، وهناك من يرى أن دولة خليجية معروفة بسيطرة الإخونج على بعض مفاصلها ستبادر إلى إسقاطهم بعد أن استفحل شرهم وتبين تآمرهم على دول المنطقة، بدليل هروب بعض رؤوسهم إلى تركيا. لقد سقط الإخوان في تونس بلد الحريات وقبول الآخر واحترام الأحزاب، إذ حكموا عشر سنوات عجاف أثبتوا خلالها أنهم فاشلون وغير صالحين لإدارة البلاد، وليس هذا فحسب، بل أوغلوا في الفساد والإرهاب المنظم، فقد أكدت التحقيقات أن حركة النهضة لديها جهاز سري أمني عمل على اغتيال السياسيين المعارضين مثل محمد البراهمي وشكري بلعيد، وتورطت الحركة في محاولات أدلجة المجتمع وتغيير ملامحه نحو التطرف العقائدي. كما حوّل "الظلاميون والفاسدون البرلمان التونسي إلى سيرك، لكن الرئيس قيس سعيد قرر إقفال هذا السيرك، بعد أن أصبح باثّاً للفتنة وحاضنًا للعنف وراعيًا للفساد والإرهاب وضاربًا عرض الحائط بمصالح تونس الإقليمية والدولية باسم الحرية والديمقراطية"؛ فأمعنوا في حربهم ضد الرئيس والإساءة إلى علاقات تونس الخارجية مع الدول العربية والأجنبية التي لا يرتاح لها الإخوان، ولقد رأينا شيئًا من تنمرهم وعدوانهم ضد بلادنا إبان زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمن لتونس، بإيعاز من الغنوشي الذي استوطن قلبه حقد دفين ضد بلادنا؛ فقد أعلن مرة وهو في واشنطن عن أمنيته في حدوث ثورة في بلادنا، وذهب إلى حدّ القول إنه يتوقع حدوث انقلاب وشيك فيها. لم ينفك الإخوان المفسدون في تونس وقبلها مصر طوال سنوات حكمهم عن الاستقواء بالخارج ضد وطنهم، وآخر ذلك دعوة الغنوشي منذ أيام دولتي فرنسا وإيطاليا للتدخل ضد ما اتخذه الرئيس التونسي من قرارات، وإلا فإنه سيغرق بلدانهم بالمهاجرين، تماما مثلما سبق أن فعل الرئيس التركي في ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي بإرسال المهاجرين إليهم. وهناك دول إقليمية تتدخل في الشأن التونسي، بل وتملي على رئيسها ما يجب عليه فعله، وما يغرد به ياسين أقطاي لسان الرئيس التركي يدخل في هذا السياق كقوله: "ما يجري في تونس هو محاولة إجهاض لتجربة ديمقراطية وليدة استبشرت بها الشعوب العربية خيرًا، ولكن قوى الشر العربية والغربية أبت إلا أن تتآمر على إرادة الشعب التونسي"! أمّا قناة الجزيرة وغيرها من القنوات التي يديرها الصهيوني عزمي بشارة فما انفكت تتباكى على دم الديمقراطية المسفوح بأيدي الرئيس التونسي وأحرار تونس!! يصف أحد المحللين الحال المضحك لبعض العرب سواء في البلاد العربية نفسها أم الذين يعيشون في دول الغرب بقوله: "أصبحوا فجأة ديمقراطيين شعوبًا تضع الديمقراطية في منزلة هي أعلى من كل شيء في الحياة، تموت من الجوع ولا تُمس الديمقراطية، ينهب النواب البلاد وتبقى مؤسستهم الدستورية التي اسماها البرلمان قائمة وتظل حصانتهم في أمان، ينتشر الفساد بين النفوس فلا تبقى نفس إلا وغمرتها رائحته ولا تتعرض الأحزاب التي تمكنت من السلطة للمساءلة"، إنه في خضم العويل من قطر شرقًا حتى الجزائر غربا لم يدافع أحد عن عروش الإخوان المفسدين التي ما زالت تتهاوى، البكاء كله انصبّ على الديمقراطية التي دكّ حصونها الرئيس التونسي، وقبله الرئيس المصري حسب زعمهم. يتباكى الإخوان المفسدون زاعمين أن ما فعله الرئيس التونسي شكل من أشكال الديكتاتورية يتناقض مع أحكام الدستور، لكنهم يغمضون أعينهم عامدين عن مقولة معلمهم الأول سيد قطب الرافضة للدستور والداعية لديكتاتورية عادلة بقوله: "لا وألف لا لدستور 1923، فهو ليس سوى الخدعة التي يطنطن بها رجال السياسة، ليفرقوا بها وثبة ثورتنا.. إنني أطالب بديكتاتورية نظيفة وعادلة حتى يتم التطهير، لقد احتمل الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة مريضة على مدى خمسة عشر عامًا أو تزيد، أفلا يحتملون ديكتاتورية عادلة ونظيفة لستة أشهر فقط؟" فليتأمل العقلاء هذا القول الملغوم، لاسيما أنه لم يتضح الهدف من تحديد الديكتاتورية بستة أشهر! إن ما حدث في تونس يعدُّ شكلًا من أشكال المحاكمة السياسية والبرلمانية لرئيس مجلس النواب راشد الغنوشى المتهم صراحة وعلانية بأنه عميل لتركيا، وخاضع لتوجهات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأنه بعد زيارته السرية لأردوغان فى قصره أجرى اتصالات مع تنظيم الإخوان المسلمين وأعطاهم وعدًا ببذل كل جهد مستطاع لتلبية مطلب تركيا فى إقامة قاعدة عسكرية لها فى تونس، حتى تتمكن من جعل تونس ممرًا ومعبرًا لدخول قواتها وأسلحتها إلى الأراضى الليبية، وإعطاء شرعية المرور والعبور للمرتزقة الأجانب الذين تجلبهم تركيا من سورية لدعم حكومة السراج فى طرابلس. ختامًا سيكون الخامس والعشرون من شهر يوليو يوماً مفصلياً، ليس في تاريخ تونس بل في تاريخ حكم الإخوان المفسدين في المنطقة، وستكون له تداعيات مباشرة على سقوط عروش الإخوان من الخليج العربي وحتى المحيط، فهناك حالة من الخوف والعزلة المجتمعية تقضّ مضاجعهم، فيتحسسون رؤوسهم، فعلى من سيأتي الدور الذي نأمل أن يكون قريباً أكثر مما نتوقع؟.