في بعض الأحيان في فترات الحياة يشعر الإنسان بأن يحدث نفسه عن الموت، إما بسبب موت قريب له أو لنجاته من حادث كان كل من رآه يقول هذا مستحيل أن ينجو، أو عند مرض عضال، مبدأ الحديث مع النفس بدون مجاملة أو تسويف وبعيداً عن طول الأمل فيبدأ الإنسان يتأمل ويستعرض شريط ذكريات حينما خلقه الله وحياته منذ الصغر حتى وصوله لمرحلة الشباب فيكتشف أنه لم يأت إلى هذه الحياة بملء إرادته ولم يختر شكله ولا نوعية حياته، بل إنه قد خلق من عدم من رب عظيم وعندما يقرأ في القرآن والكتب العلمية ويرى أفلاماً وثائقية علمية عن كيفية تكوين الإنسان يزداد إيماناً ويذهل كيف أنه قد خلق في الأساس من تراب وأن الله قد خلق شكله في بطن أمه وشق له الحواس، وقد حفظه الله في هذا المكان المظلم الضيق ويأتيه طعامه وشرابه عن طريق الحبل السري الذي بينه وبين أمه، معتقداً أن هذا هو عالمه الدائم ولم يكن يدرك ما قبله ولا ما بعد هذه المرحلة، ولكنه يدرك أن هذا هو عالمه ولا يستوعب أن هناك عالم آخر أشمل وأرحب من عالمه في رحم أمه الذي يعيش فيه بقوانين مختلفة ولذلك بعدما يخرج الجنين من بطن أمه للحياة الدنيا يبكي لأنه خائف من هذا العالم الجديد الكبير الذي به نور ولا يعرف عنه شيئاً لأنه قد فقد عالمه الذي كان فيه، لذلك لا يشعر في البداية بالراحة والأمن إلا عندما يسمع صوت أمه تحتضنه وتقبله وتلقمه أحد ثدييها حينها يطمئن وبعدما يتعرف إلى صوت والده وهو يحمله ويحضنه ويقبله ويلاعبه وبعد شهور يبدأ التعرف على ما حوله في عالمه الجديد ويأخذه الفضول حتى يبدأ في الكبر بمراحل العمر من التعلم والاستكشاف والإيمان بالله حتى يستوفي أجله الذي كتبه الله له ثم تصعد الروح إلى بارئها ويوضع جسده في لحد القبر لكي يدخل في مرحلة أرحب وأوسع من عوالمه السابقة حينما يعرج بروحه إلى السماء فيرى هناك عالما لم يخطر على بال ولا قلب بشر سواء كان من أهل النعيم الخالد أو العذاب الخالد في عالم ضخم بقوانين مختلفة وقوية ففي النعيم سيشهد عالماً مليئاً بالحب والرحمة والنور والعفو والكرم والعطاء بلا حدود وحيث يمكنه أن يرى ملك الملوك ويتحدث معه بدون أن يؤثر ذلك على حواسه أو روحه أو جسمه كما هو من قبل لأن الله في هذا العالم قد زود الإنسان بطاقة وقوة أكبر وبحواس أقوى بحيث لا يشيخ ولا يمرض ولا يضعف لذلك أيها الإنسان لا تخف من هذه الرحلة الطويلة لأنك ستقابل رباً محباً ورحيماً بشرط ألا تكون كافراً به أو مشركاً معه أو أنك قد أسرفت في الإيذاء وظلم الآخرين في حياتك الدنيا، والزمن في عالم البرزخ لا يشعر به المؤمن في هذه الحالة لأن الزمن مختلف عن زمن الدنيا ولا تحصره في حفرة القبر بل إن هذا العالم الواسع الذي لا تدركه ولم تعرفه لأنه لم يصفه أحد لنا بدقة من الذين قد سبقونا ورحلوا إلى هناك ولكن عرفنا شيئاً يسيراً عنه من الرسل الذين أرسلهم الله والكتب السماوية عبر الأزمان فوجودك في هذا العالم الأكبر وبهذه الحياة التي نواميسها مختلفة فكلها بعلم الله وتقديره وعنايته لك يا أيها الإنسان ولكن كل ما عليك أن تصبر في هذه الحياة الدنيا وتحتسب ما يصيبك وتشكر الله على ما أنعم به عليك وأن تحسن ظنك فيه فهو الحافظ الذي لم يتخل عنك وأنت ضعيفاً لا حول لك ولا قوة في رحم أمك لذلك ستبقى تحت عنايته في رحم أمك الأرض وهو سيكون أقرب لك من الناس المحبين الذين دفنوك وحثوا عليك التراب وتركوك في القبر بعدما تركت أهلك وأولادك وأقاربك وأموالك وأملاكك لذلك سيبقى لك في مرحلة البرزخ وما بعدها وما يتبقى لك من زاد ومؤنس هو فقط عملك الصالح وعلمك وما استثمرته في حياتك الدنيا من الأعمال الصالحة، حتى لو كانت يسيرة لا تذكر فهو سينميها لك كي تربح بأن تكون بجواره وفي جنته لأنه رحيم وكريم ويريد أن يشملك برحمته؛ لأنه هو الذي صنعك ويحبك. سلمان محمد البحيري