لبنان الذي يئن بسبب حماقات بعض ساسته المتحزبين، ممن قدموا مصالحهم الشخصية والطائفية والحزبية على مصلحة البلد الذي نخر مفاصل إداراته الحكومية الفساد، أصبح بيئة طاردة غير جاذبة لأي شيء يمكن أن يعيد الحياة لأوصاله الهشة. إن عمليات هدر الفرص في تشكيل حكومة تنقذ لبنان وشعبه مستمرة، رغم المحاولات العربية والغربية المتكررة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، والتي تُقابَل بشتى أنواع المناورات التي تعطل ولادتها، وتزيد الأوضاع تدهوراً وتعقيداً. ويبدو واضحاً أمام العالم أن هناك قوى سياسية قررت القفز فوق كل الحقائق المؤلمة، وتجاهلت التحديات والمخاطر التي ستترتب على الانهيار الاقتصادي الكامل، مع كل ما سينتج عنها من تداعيات اجتماعية وسياسية، وعادت بالتالي إلى مناوراتها الخادعة للدفع إلى حكومة جديدة على شاكلة سابقتها، والتي فشلت فشلاً ذريعاً بسبب سقوطها ضحية التجاذبات السياسية والمصالح المتعارضة، حتى بات لبنان يعيش أسوأ أزماته، فيما هذه القوى تتصارع على الحصص في كعكة حكومة طال انتظارها. الحال التي يعيشها لبنان، اليوم، كانت بسبب ساسته الذين لم يلتفتوا لنداءات شعب تخطت حاله خط الفقر، ولم يروا بأعينهم حال البلد المزرية، وانعكاسات المأزق السياسي على الحالة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والصحية، ومن ثم علاقة لبنان الدبلوماسية بأشقائه العرب والعالم. حقيقة، لا يمكن أن نتكلم عن مستقبل لبنان في ظل إدارة سياسية خاضعة لميليشيا مسلحة، أفرغت لبنان من كفاءاته، ومن أمانه، وأخذت تلقي بسهامها على الآخرين، ولا يمكن أن نتحدث عن لبنان، وعن تجاوزه أزمته الراهنة، وهو يئن تحت سيطرة إدارة عجزت عن إخراجه من محنته، ومعالجة ملفاته الشائكة بحكمة، وفتح بارقة أمل أمام شعبه، ومداواة جراحه. لهذا لا يعوِّل اللبنانيون كثيراً على حلول قريبة، فهمومهم المعيشية تكاد تقضي عليهم، ولن يغيِّر واقعهم ممارسة الضغوط الدولية على القوى الممسكة بمصيرهم، أو فرض عقوبات على شخصيات مُعرقِلة، لأن يقينهم بأن كل ما يحصل هو في مكان آخر، يرتبط بإبقاء بلدهم لبنان ورقة في بازار المفاوضات الأميركية - الإيرانية المتعلقة بالملف النووي، ومن يرى غير ذلك لم يفهم بعد الدور الوظيفي لحزب الله وغطائه السياسي.