المنظمات والاتفاقيات بكل أشكالها وأحجامها، دولية كانت أو إقليمية، ربحية أو غير ربحية، حكومية أو غير حكومية، أُنشئت لتحقيق أهداف مُحددة تخدم مصالح أعضائها، ولكن - بطبيعة الحال - هذه الدول تتفاوت في الاستفادة من هذه العضويات والاتفاقيات. المنظمات والاتفاقيات أشبهها بالمركبات التي يفترض أن تنقلك من مكان إلى آخر، هذه المركبات - بطبيعتها - تتفاوت في سرعتها وجودتها، ومدى الحاجة لها، أو كما هو ناد رياضي لعضويته تكلفة، وأعضاؤه يتفاوتون في الاستفادة من مزاياه وخدماته. لعل لنا في منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها خير مثال، وهي المنظمة الشابة ولكن ذات التاريخ الطويل، فهي التي كانت امتداداً لاتفاقية (GATT 1947)، والمنظمة التجارية الوحيدة المُلزمة بأحكامها وقراراتها. لقد كانت مفاوضات المملكة للانضمام شاقّة جداً، قدمت المملكة تنازلات (كُلفة العضوية)، سواء في المُفاوضات الثنائية أو متعددة الأطراف وقد كانت (52 دولة)، لتصبح المملكة بعدها العضو (رقم 149) في المنظمة في عام 2005م، أيّ بعد عشرة أعوام من تأسيسها، مقابل الانضمام، أجرت المملكة عدّة تعديلات جوهرية في تشريعاتها وأنظمتها لتتواءم مع عمل المنظمة، سواءً فيما يخص مبدأ الشفافية، أو حق الاستئناف، أو الاتفاقيات المُلزمة، من الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية (TRIPS)، والتدابير الصحية والصحة النباتية (SPS)، والتثمين الجمركي، وتراخيص الاستيراد، والعوائق الفنية أمام التجارة (TBT)، واتفاقيات مكافحة الإغراق والدعم والحماية الوقائية، واتفاقية التدابير التجارية المتعلقة بالاستثمار (TRIMS). علاوة على ذلك، لن تقدم المملكة أي معونات على صادرات المنتجات الزراعية، وكما ألغت أي إجراءات غير تعريفية لا يوجد لها أحكام في المنظمة، علاوة على ما تم تخفضيه أو إلغاؤه من رُسوم جمركية لبعض السلع، وتحديد سُقوف عُليا لها. من المزايا التي من المفترض أن تحصل عليها المملكة، زيادة فرص دخول جميع المنتجات السعودية من سلع وخدمات إلى أسواق (163) دولة - الأعضاء حالياً 164 عضواً مع المملكة -، كما يجب ألا تخضع الصادرات السعودية بعد الانضمام للإجراءات التعسفية الأحادية من قبل عضو ما، كذلك القُدرة على التفاوض مع باقي الدول فيما يخص "اتفاقية الكيميائيات المنسقّة" لتُصبح هذه اتفاقية مُلزمة لجميع الأطراف في المنظمة، - هذه الاتفاقية عديدة الأطراف، التي بلغ عدد أعضائها حالياً 26 دولة - كانوا 14 دولة عند تأسيس المنظمة 2005م -، واتفقوا على تطبيق رسوم جمركية منخفضة (من صفر إلى 6,5 %) على سلع البتروكيميائيات والبلاستيك والأسمدة الكيميائية، حيث إن على الدول الأعضاء تخفيض رسومها الجمركية ل1022 سلعة بتروكيميائية، وأن تُصبح هذه اتفاقية مُلزمة لجميع الأطراف في المنظمة، فهل هذا مُتحقق حالياً!؟ الصناعات الكيميائية لا تزال تواجه عوائق رئيسة أمامها، بما في ذلك الرسوم الجمركية المرتفعة، وقواعد المنشأ غير الواضحة، والتناقضات بين التشريعات الوطنية والمعايير المتعددة والمختلفة، علاوة على ذلك، تواجه رسوم مكافحة الإغراق والدعم والوقاية والتي قد تكون تعسفية أو غير صحيحة من حيث الحُجية. نعم، فالانضمام كان إنجازاً حينها، ولكن العمل الحقيقي والإنجاز الفعلي يكونان بعد أن أصبحت المملكة عضواً في المنظمة، ويكون العمل استباقياً، في تعظيم وتعزيز مصالحها، وحماية حقوقها. نحن، الآن بحاجة ماسة، إلى أمرين: أولاً تقييم المكاسب والتكاليف من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ووضع سيناريوهات وخُطط للعمل وخُطط للتفاوض وفق أهداف قابلة للتحقيق. ثانياً، مراجعة أداء الأجهزة والكوادر البشرية المخُتصة في المملكة، تحديداً فيما يتعلق بتحديد وتحليل وتمثيل مصالح المملكة في المنظمة. نقطة آخر السطر، أرجو أن نبتعد عن ترديد عبارة "المحافظة على التزامات المملكة في منظمة التجارة العالمية" واستبدالها بعبارة "تعزيز مصالح المملكة في منظمة التجارة العالمية والدفاع عنها". * مُختص في الأعمال الدولية والشراكات الاستراتيجية