تُقاس الأمم والشعوب بما تُقدمه للبشرية من إنجازات وإبداعات على كافة الصعد والمستويات، وبما تملكه من رموز وأيقونات ساهمت في تقدمها وتطورها في كل القطاعات والمجالات. والرموز والأيقونات في كل وطن، هم الثروة الحقيقية التي تستحق الإعجاب والفخر، فضلاً عن التقدير والتكريم. والأسماء والشخصيات في كل وطن، هم النهر المتدفق الذي ينساب بكل ألق وجمال. والنماذج والمُثل العليا في كل وطن، هم الواجهة الباذخة التي تطل بها الأمم على كل العالم. وتُعدّ صناعة الرمز والنموذج، واحدة من أهم الصناعات الإنسانية التي تحتاجها الأمم والشعوب لأنها ستتحوّل إلى مصادر للإلهام والتميز، بل وإلى قوى ناعمة كبرى لممارسة التأثير والتوجيه. وقد استثمرت الأمم والشعوب المتقدمة والنامية، قديماً وحديثاً، كنوزها البشرية ورموزها الملهمة، بشكل أضاف لها الكثير من المكاسب والشهرة، والأمثلة والبراهين على قيمة وتأثير الرموز والأيقونات كثيرة وكبيرة ولا يمكن حصرها، وسأكتب مثالاً واحداً فقط: غابرييل غارسيا ماركيز "1927-2014" الروائي والكاتب الكولمبي الشهير والحائز على جائزة نوبل للأدب في عام 1982 وصاحب التحفة الروائية الخالدة "مئة عام من العزلة" والحاصل على أعلى الأوسمة والألقاب والجوائز من الكثير من دول العالم، استطاع هذا الرمز الملهم أن يحمل وطنه "كولمبيا" في كتاباته ولقاءاته وزياراته، بحيث لا تُذكر كولمبيا إلا ويُذكر ماركيز والعكس صحيح، وهنا تكمن قيمة ومكانة وتأثير وشهرة الرموز والأيقونات والمُثل العليا -الحقيقية طبعاً- في المشهدين الإنساني والحضاري. رمز واحد فقط أضاف لوطنه الكثير من الشهرة والأضواء، فكيف بقائمة طويلة من الرموز والأيقونات؟ إن صناعة الرمز والنموذج، صناعة مهمة وضرورية، ولكنها تحتاج لتوفر الكثير من الأدوات والإمكانيات، وتبدأ عادة من المراحل الأولى في عمر الإنسان، وتحديداً في مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالبيت والمدرسة والبيئة المحيطة وغيرها من المؤسسات والمحفزات المهمة التي تضمن نجاح هذه "الصناعة الوطنية" الضرورية التي آن لها أن تتحوّل إلى "ثقافة مجتمعية". الرموز والأيقونات كصناعة وتأثير هي القوة الناعمة الكبرى التي تتسابق الأمم والشعوب على توظيفها واستثمارها لأنها الكنوز والثروات التي لا تنضب.