قبل أيام، فقدنا عزيزنا وسيد قلوبنا وتاج رؤوسنا أخي وأبي وملجئي، وملجأ جميع أبناء عائلتنا، بعد الله، كلما حزب أحدنا أمر، أخي الأكبر وعميد عائلتنا اللواء خليل العبيداء، الذي وافاه الأجل يوم الأحد 18 شوال، مخلفًا لنا تاريخًا من المشاهد التي ستبقى أجمل ما تحمله ذاكرتنا أنا وإخوتي، وأبناؤه، وكثيرون من أبناء عائلتنا، يدينون بالفضل في كل ما تحقق لهم في الحياة، بعد الله، لهذه القمة الإنسانية التي أشرفت على وجودنا إشراف جبال حائل، حيث الجذور، بظلالها على أهلها. في مهد العلم وبين العلماء ولد ونشأ أخي الأكبر خليل في كنف والدي، رحمهما الله، فجده لأبيه الشيخ عبدالكريم العبيداء القاضي والعالم وأحد كبار معلمي القرآن الكريم الذين اكتنز بهم تاريخ حائل، وجد أبيه الشيخ عثمان العبيداء، أحد علماء الجزيرة العربية ونجد المبرزين الذين يشار إليهم بالبنان في علوم القرآن والحديث والفرائض، وله تلامذة كثر تخرجوا على يديه، وكانوا يشدون الرحال إليه في حائل من جميع أرجاء الجزيرة العربية، وقد أصبحوا ورثته في العلم الشرعي علماء أفاضل يحفظون لشيخهم فضله وآثاره. التحق بالحياة العسكرية في سن مبكرة، فتخرج برتبة ملازم وكان الأول على دفعته، ثم تقلب في سلسلة طويلة من المواقع والمهام التي خدم وطنه فيها بإخلاص، شهد له كل من عرفه، وكان على رأس شهوده قادته وولاة أمره حيث كان أحد الضباط المشاركين مع القوات السعودية التي رابطت الأردن بعد حرب حزيران 1967م، ثم تم اختياره بعد ذلك ليكون قائداً لأحد أفواج القوات السعودية التي ساندت القوات السورية المشاركة في حرب أكتوبر عام 1973م، ورقي حتى تولى منصب قائد مركز عمليات الدفاع الوطني في وزارة الدفاع، المعني بالتخطيط لعمليات وزارة الدفاع والطيران وكانت أول مهمة لتنفيذ خطة تطهير الحرم في حادثة جهيمان الشهيرة عام 1400ه، ومثّل بلاده ملحقًا عسكريًا سعوديًا في ألمانيا لمدة خمس سنوات، انتهت بتقاعده رحمه الله وعودته لأرض الوطن. لكن هذه الرحلة الطويلة في السلك العسكري على مشقتها ووعورتها أحيانًا، لم تحل دون دور الأب الكبير الذي اضطلع به القائد العسكري اللواء خليل العبيداء الذي كان في أهله قائدًا، أيضًا، لكنه كان قائدًا برتبة أب كبير، وأقول كبير؛ لأنه رحمه الله لم يكن أبًا لأبنائه فحسب، بل كان قبل أبنائه أبًا لأشقائه الثمانية الذين تولى مسؤوليتهم مبكرًا، بعد وفاة والده، وكنتُ واحدًا منهم، تكفل برعايتنا وتعليمنا جميعًا، وحرص على نقل حب العلم الذي ورثه عن الوالد والأجداد إلينا، حتى خرجنا جميعًا بين حاصلين على درجات جامعية، ودرجات عليا، بفضل الله، ثم بفضل أخ بمرتبة أب، وهبنا وجوده الذي يتوج اليوم وجودنا كأنه وسام فخر إنساني نشعر به جميعًا فوق صدورنا، ونتحسسه في لحظة وداعه القاسية، فنبتسم بملء ما يعتصر قلوبنا من حزن، كأنه رحمه الله بما تركه لنا من مآثر، المصاب والعزاء معًا في رجل واحد، أعاننا على كل شيء، حتى على حزن وداعه. وعلى الرغم من استقلالنا جميعًا، وبلوغنا مواقع عمل مختلفة، وتحملنا المسؤولية، إلا أننا ظللنا في حاجة إليه، ظل لرأيه في كل شؤون حياتنا دور لم يتوقف عن الاضطلاع به في حياتنا، رحمه الله، فأصبحنا كلما ترقينا في مدارج الحياة، نحتاج أكثر إلى رأيه، ونحتاج، أيضًا، إلى دعواته التي تبارك لنا جميع خطواتنا في الحياة، الدعوات التي توقفت أخيرًا بارتقاء روحه إلى بارئها، رحمه الله، لكن ذكره سيبقى في دعواتنا التي سنظل نلهج بها تضرعًا إلى الله، أن يجزل له العطاء على ما أعطانا، ويبره كما برنا، ويرحمه كما رحمنا، ويكرمه كما أكرمنا، ويجزيه أجر ما غرسه فينا من التقوى والصلاح وحب الخير للناس والولاء للأوطان، ويجعله من أهل صحبة خير المرسلين في جنات النعيم، بما كفل من اليتامى والمساكين. ولا نقول إلا ما يرضي الرب "إنا لله وإنا إليه راجعون".