مضت أربعة عقود من عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه في 25 مايو 1981 ليجمع شمل ست دول خليجية سياسياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً وإلى غير ذلك من أوجه الحياة؛ وهي المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر وسلطنة عُمان تحت لواء المجلس. المجلس منذ أن تقرر إنشاؤه في اجتماع عُقد في مدينة أبوظبي، هَدف إلى تعزيز صيغة تعاونية تضم دول المجلس الست بغرض تحقيق التنسيق والتكامل والترابط فيما بينهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفقاً لما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. ومنذ ذلك الحين وعلى مدى أربعين عاماً استمر عطاء المجلس وامتدت مسيرته التنموية لصالح دوله ومواطنيها في مختلف مجالات الحياة، السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية، بما في ذلك مجال الاتصالات والنقل وإلى غير ذلك من مجالات الحياة الحيوية. استند المجلس في تبنيه لخططه التنموية لصالح مواطنيه وتنفيذها بناءً على منطلقات واضحة تتفق وتتسق تماماً مع ديباجة النظام الأساسي للمجلس، التي شددت على أن ما يربط بين الدول الست من علاقات، يكون مبنياً على العديد من السمات المشتركة والأنظمة المتشابهة فيما بينها، والتي في أساسها تستند إلى العقيدة الإسلامية والإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها يخدم بنهاية المطاف الأهداف السامية للأمة العربية أجمع. وبغية تحقيق أهداف العمل المشترك في المجال الاقتصادي، أقرّ المجلس الأعلى في دورته الثانية المنعقدة في شهر نوفمبر 1981، الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لترسم خطة العمل والتعاون الاقتصادي المشترك بين دول المجلس، ولتشكل في نفس الوقت نواة لبرامج التكامل والوحدة الاقتصادية المنشودة. أحد أبرز أهداف الاتفاقية، هو تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءاً من إقامة منطقة التجارة الحرة، ثم إنشاء الاتحاد الجمركي، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي. تَمكن المجلس خلال الأربعين عاماً الماضية من تحقيق إنجازات اقتصادية ومالية وتجارية عديدة منذ توقيع تلك الاتفاقية وتحديثها وتطويرها في العام 2001، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، إقامة منطقة تجارة حرة، وتأسيس الاتحاد الجمركي، وإنشاء السوق الخليجية المشتركة. الأمين العام المساعد لدول مجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والتفاوض الدكتور عبدالعزيز العويشق، قال في مقال نشر له بصحيفة عرب نيوز: إن الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء الست كان في العام 1981 لا يتجاوز 200 مليار دولار أميركي، ولكن اليوم يبلغ نحو 1.6 تريليون دولار أميركي، وهو ما يمثل ثمانية أضعاف النمو في السابق. إضافة إلى ما ذكره الدكتور العويشق من تحسن وتطور ملموس وملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس، أشار المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لدول المجلس بلغ 497 مليار دولار أميركي تقريباً مع نهاية العام 2019، مشكلاً بما نسبته 1.4 % من إجمالي أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في العالم من نفس العام. كما وبلغت قيمة إجمالي الصادرات السلعية في مجلس التعاون في العام 2019 نحو 609.5 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة الواردات 458.2 دولار أميركي. واحتل حجم التبادل التجاري بين دول المجلس المرتبة التاسعة على مستوى العالم بحجم 1,067.7 مليار دولار أميركي، في حين بلغ ترتيب إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس بالأسعار الجارية المرتبة 12 على مستوى العالم. دون أدنى شك بأن مجلس التعاون الخليجي للدول العربية، قد حقق إنجازات اقتصادية وغير اقتصادية عديدة خلال الأربعين عاماً الماضية، والتي ساهمت في مجملها بشكلٍ كبير في دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بدول المجلس قدماً إلى الأمام. ولكن رغم ذلك، يظل سقف طموح المواطن الخليجي عاليا جداً بأن تشهد العلاقات الخليجية في المستقبل المزيد من التحسن والتقدم والتطور على جوانب حياتية عدة، تأتي في مقدمتها العلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز المواطنة الخليجية. برأيي أن الالتزام بتنفيذ رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، الرامية إلى تعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك والتي أقرها المجلس الأعلى في دورته السادسة والثلاثين في ديسمبر 2015، وكذلك تنفيذ الدعوة التي اقترحها المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الدورة الثانية والثلاثين والرامية لتحول دول المجلس من التعاون إلى الاتحاد، سيعزز من مكانة المجلس في العالم العربي وكذلك الدولي، وسيمكنه من تحقيق أهداف أكثر طموحاً ووثابة وصولاً لاكتمال منظومة التكامل والوحدة الاقتصادية المنشودة لدول المجلس بإصدار العملة الخليجية الموحدة.