تعتبر القيلولة من الموروثات الثقافية لدى كثير من الشعوب وبالذات في البلاد الدافئة وقد تأخذ بعدا دينيا في بعض الثقافات. فالقيلولة تعتبر شائعة جدًا في منطقة حوض البحر البيض المتوسط، في دول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وتعرف بالسيستا، وتقل أو تكاد تختفي في أماكن أخرى مثل أمريكا الشمالية وشمال أوروبا. وتتأصل القيلولة في ثقافتنا وموروثنا في العالم الإسلامي. وتمتلئ الإنترنت بالكثير من المقالات التي تعرضت للقيلولة وفوائدها ولكن الكثير من المعلومات المذكورة غير موثقة علميًا، ولا توجد أبحاث تدعمها ولم تتعرض للقيلولة من الناحية الطبية، وغلب على الكثير منها العاطفة. لذلك سنحاول في هذا المقال أن نستقصي الأبحاث الموثقة والتي درست موضوع القيلولة ونشرت في مجلات علمية محكمة، وسنتجنب الفوائد النظرية التي لا يوجد لها دليل علمي حتى الآن، ونحن سننظر في هذا المقال للقيلولة من ناحية طبية بحتة. تعتبر الغفوات أمرًا طبيعيًا لدى حديثي الولادة والرضع والأطفال الصغار وتختفي بعد ذلك عند الأطفال في سن المدارس، ولكن عند البالغين تعود للظهور عند البعض، وتعود بشكل واضح عند كبار السن (أكثر من 65 سنة). وقد أظهرت الدراسات التي نشرت من دول مختلفة أن القيلولة مرة أسبوعيًا تتراوح من 36 في المئة إلى 80 في المئة عند البالغين. وفي المملكة أظهرت بعض الأبحاث أن القيلولة تصل عند البالغين إلى 80 في المئة وتكون منتظمة عند 20 إلى 40 في المئة من الأشخاص. كما وجدنا أن 40 في المئة من أطفال المدارس الابتدائية يقيلون بعد عودتهم من مدارسهم في بحث سابق أجريناه في مدينة الرياض. ومن المعلوم أن أطفال المدارس الابتدائية لا يحتاجون إلى القيلولة في هذه السن، ولكن سبب القيلولة هو نقص النوم أثناء الليل ومحاولة تعويض نقص النوم، وهذا يقودنا إلى تقسيمات القيلولة. يقسم الباحثون القيلولة إلى ثلاثة أقسام: قيلولة التعويض: ويقوم بها الأشخاص الذين يعانون من نقص النوم بسبب السهر حيث يحاولون تعويض ما فاتهم من نوم الليل بالقيلولة وهي النوع الشائع في المملكة. قيلولة الوقاية: وهي القيلولة التي يحصل عليها الشخص لعلمه أن عليه الاستيقاظ لفترة طويلة بعد ذلك كأن يكون مناوبًا أو مسافرًا بالليل وهكذا. قيلولة العادة: حيث يستمتع البعض بالحصول على قيلولة قصيرة وسط اليوم ويمارسونها بصورة منتظمة. فوائد القيلولة: وقبل الحديث عن فوائد القيلولة نود أن نذكر أن فوائد القيلولة تتأثر بعدة عوامل منها حاجة الجسم إلى النوم، الإيقاع اليومي للجسم، وساعة الجسم البيولوجية، طول الغفوة، وقت الغفوة، وظهور أعراض كسل النوم بعد الغفوة (سنتحدث عنها لاحقًا) وعوامل أخرى مثل العمر والجنس. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة فوائد عديدة للقيلولة حيث تحسن القيلولة من مزاج القائل، وتقلل الشعور بالنعاس والتعب، وتنشط القدرات العقلية مثل التحليل المنطقي والحساب وردة الفعل. وأظهرت الأبحاث كذلك أن أفضل علاج للشعور بالنعاس هو الحصول على غفوة قصيرة، حيث إن تأثير الغفوة يفوق تأثير المنبهات مثل القهوة أو الأدوية المنبهة، كما أن الغفوة حسنت من الأداء العقلي مقارنة بالأدوية المنبهة. توقيت القيلولة: يعتمد توقيت القيلولة على مواعيد نوم واستيقاظ القائل، حيث إن أفضل وقت لقيلولة شخص يستيقظ لصلاة الفجر وينام بعد صلاة العشاء يختلف عن شخص آخر يستيقظ متأخرًا وينام متأخرًا، وهذا يعود لتأثير الساعة البيولوجية في الجسم؛ حيث إن الإنسان يشعر بالنعاس وتنخفض درجة حرارته في وقتين في اليوم والليلة: وقت النوم بالليل ووقت الظهيرة الذي يمتد من الساعة 12 ظهرًا إلى الخامسة عصرًا حسب مواعيد نوم واستيقاظ كل شخص. ويعرف الوقت الذي يسبق نوم الليل بساعتين إلى أربع ساعات بالمنطقة المحرمة التي يصعب فيها النوم ولا يكون مريحًا؛ لذلك يصعب تحديد وقت للقيلولة لعامة الناس لأن ذلك يعتمد عل مواعيد نومهم واستيقاظهم، الساعة البيولوجية، وجودة النوم الذي حصلوا عليه الليلة السابقة. القيلولة عند كبار السن: من المعلوم أن كبار السن (من تعدوا سن 65 سنة) يقيلون بصورة متكررة خلال النهار، وقد يكون هذا الأمر آلية لتعويض نوم الليل؛ حيث إن جودة النوم عند كبار السن تسوء مع تقدم العمر. والأبحاث التي أجريت على فوائد القيلولة عند كبار السن قليلة ومتناقضة النتائج. ولكن سنذكر هنا وباختصار دراسة نشرت عام 2007 في أرشيفات الطب الباطني على 23681 متطوعًا في اليونان وتم متابعتهم لأكثر من ست سنوات، وأظهرت الدراسة أن الذين يقيلون من الرجال بغض النظر عند طول أو وقت القيلولة كانوا أقل إصابة بتصلب شرايين القلب والوفاة. فوائد القيلولة للجهاز الدوري: أظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة (Journal of Behavioral Medicine) أن الغفوة النهارية تقلل من ضغط الدم عند التعرض للتوتر والإجهاد. حيث درس الباحثون 85 متطوعا من الشباب الأصحاء وقسموهم إلى مجموعتين، سمحوا لمجموعة منهم بالغفوة نهارا لحوالي 45 دقيقة ولم يسمحوا للعينة الأخرى بالغفوة. وبعد ذلك تم تعريض المجموعتين لبعض الاختبارات الرياضية التي تسبب نوعا من التوتر. وقد وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم كان أقل بعد التعرض للضغط النفسي عند العينة التي حصلت على غفوة نهارية. ذكرتني هذه النتائج بالآية الكريمة التي تقول (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) (سورة الأنفال آية رقم 11). ونحن نعلم من التفسير أن هذا النعاس كان قبل القتال مع الكفار في بدر، أي قبل التعرض لضغط نفسي وجسدي. وقد كان النوم أمرا عجيباً ونعمة من الله مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم. وهذا يوضح أهمية النوم لراحة الجسم قبل التعرض إلى ضغوط خارجية. ومن قراءتي لما كتبه المختصون والباحثون وفهمي للآية فإن النعاس في هذه الآية يتضمن النوم القصير وليس الطويل، أي أنه قد يعادل الغفوة. أي أن الغفوة سببت أمنا وراحة قبل الحرب. وعند بحثي في هذا الموضوع بشكل موسع، وجدت دراستين علميتين نشرتا عام 2007 في مجلة Arch Intern Med ومجلة J Appl Physiol وأظهرتا أن النوم لفترة بسيطة كالغفوة القصيرة يقللان من ضغط الدم ومن التوتر خلال النهار وأن انخفاض ضغط الدم يبدأ مع بداية النوم أي أن الضغط يتحسن حتى لو كانت الغفوة قصيرة جدا.