واصلت ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران تحدي الجهود الأممية والأميركية الرامية لوقف إطلاق نار شامل في اليمن، إذ قابلت مساعي المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بتصعيد عسكري أدى إلى نتائج وتأثيرات معاكسة للأهداف التي أعلنتها الإدارة الأميركية الجديدة منذ أن تبنت ملف اليمن على رأس أولوياتها الخارجية في يناير الماضي، بغية الدفع بالأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي، والضغط على الميليشيات لإنهاء التصعيد ووقف الحرب الدموية التي أشعلتها في سبتمبر 2014 خلال اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء والسطو على مؤسسات الدولة والانقلاب على السلطة الشرعية، مما أدى إلى دخول اليمن في أسوأ كارثة إنسانية. ورغم أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، بادرت في فبراير الماضي، إلى شطب الميليشيا من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ظناً منها بأن تلك الخطوة ستؤدي إلى تعزيز فرص الحل الدبلوماسي وتدفع بالميليشيات إلى الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار والاستجابة لجهود الأممالمتحدة ومبادرات وقف الحرب والانخراط في عملية سياسية وإنهاء الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب الانقلابية. إلا أن الميليشيا، استغلت قرار شطبها من لائحة الإرهاب وعملت على توظيفه لتعزيز المعاناة الإنسانية وتصعيد العمليات العسكرية في الهجوم على مأرب ومدن يمنية أخرى وتصعيد الهجمات البالستية الإرهابية مستهدفة المدنيين والمنشئات والأعيان المدنية في عدد من مدن المملكة. ويؤكد المسؤولون اليمنيون أن التصعيد العسكري المستمر للميليشيا في الهجوم على مأرب وتعز والاستهداف المتكرر للنازحين والمدنيين في عدد من المحافظات اليمنية، وتصعيد الهجمات الإرهابية ضد الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المفخخة الإيرانية، مع كل جهود الأممالمتحدة وتحركات المبعوث الأميركي إلى اليمن نحو السلام، يكشف حقيقة مشروع الميليشيا والتوجيهات الصادرة إليها من النظام الإيراني. وفي الوقت نفسه يضع الإدارة الأميركية أمام امتحان حقيقي في اليمن، لاسيما أنها جردت نفسها من أهم ورقة ضغط بيدها وقامت بشطب الميليشيا من قائمة الإرهاب، مما أدى إلى نتائج عكسية ومضاعفة المعاناة الإنسانية وتصعيد الحرب عوضاً عن وقفها. ويقول رئيس الحكومة اليمنية، معين عبدالملك، إن الرسالة الأميركية برفع ميليشيا الحوثي من قائمة الإرهاب تم فهمها بشكل خاطئ من قبل الحوثيين الذين اعتبروها ضوءاً أخضر للاستمرار في جرائمهم ضد اليمنيين وتهديد الأمن والاستقرار في الخليج العربي والمنطقة والعالم بشكل عام. ولفت إلى "إن الموقف الدولي المتراخي في التعامل مع الميليشيا يدفعها لتحدي جهود إحلال السلام ويشجعها على ممارسة المزيد من جرائمها وإيغالها في دماء اليمنيين ومضاعفتها للأعمال المهددة لأمن اليمن وجيرانه ومحيطه الإقليمي والعالمي". وخلال لقاءات عقدها الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ونائبه ورئيس الحكومة اليمنية، مع ليندركينغ، أكد قادة السلطة الشرعية اليمنية أن المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة أمام امتحان حقيقي في اليمن لتحقيق السلام عبر الضغط على الميليشيا وداعميها في طهران. ومنذ تعيينه مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى اليمن، أجرى ليندركينغ خمس زيارات إلى المنطقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ضمن مساعي الإدارة الأميركية لوقف الحرب الانقلابية التي أشعلتها الميليشيا في اليمن، والحد من الأزمة الإنسانية الناجمة عنها، وكانت آخر تلك الزيارات، زيارته السبت الماضي للمنطقة وشملت المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان حيث يتواجد وفد من قادة الميليشيا. وفيما قوبلت تحركات المبعوث الأميركي الخاص بترحيب من الحكومة اليمنية التي أكدت جاهزيتها واستعدادها لوقف إطلاق النار وقبول المبادرة السعودية للسلام والتي حظيت بدعم ومساندة من الإدارة الأميركية ومبعوثها الخاص إلى اليمن، لكنه أصطدم بتعنت قادة الحوثيين ورفضهم الاستجابة لمساعي وقف الحرب وإصرارهم على تجاهل الدعوات الدولية والأميركية. وفي بيان للخارجية الأميركية، قالت إن "المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن يعتمد في مباحثاته على الإجماع الدولي لوقف هجوم الحوثيين على مأرب، والذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تهدد الشعب اليمني". في حين قال ليندركينغ: "الهجوم الحوثي على مأرب هو أكبر تهديد لجهود السلام، وله أيضا تداعيات إنسانية مدمرة. إذا لم نوقف القتال في مأرب الآن، فسيؤدي إلى موجة أكبر من المعارك والاضطرابات". وخلال إفادة قدمها قبل أيام خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، أوضح ليندركينغ أنه لا مؤشرات على أن إيران تريد دعم حل الصراع في اليمن، أو أن الحوثيون على استعداد للسلام". وأكد أن دعم إيران للحوثيين كبير جداً، وتواصل دعمهم بطرق عديدة، منها من خلال التدريب وتزويدهم ومساعدتهم على صقل برامجهم للطائرات المسيرة والصواريخ. وركزت تقارير دولية إلى جملة من المفارقات التي رافقت قرارات إدارة بايدن لإنهاء الحرب في اليمن، ومنها قرار شطب الميليشيا من قائمة الإرهاب، ومن تلك المفارقات أن قرار الشطب أسفر عن تأثير معاكس وتصعيد عسكري غير مسبوق من قبل الميليشيات، وسقوط المزيد من الضحايا وتفاقم الأزمة الإنسانية. ويقول معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالية، إن النتائج العكسية لتلك القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن، هي نتيجة لبداية فاشلة ستؤدي إلى زيادة المخاطر. وأضاف "إذا كانت الولاياتالمتحدة جادة فيما يخص مسألة إنهاء الحرب، فينبغي عليها فورًا أن تُغير بعض تكتيكاتها وتبني سياسات ترتكز على الأدلة والإلمام بالتحركات على أرض الواقع، وأن تعمل على موازنة ضغوطها خاصة على الحوثيين الأكثر رفضا لقبول مساعي وقف إطلاق النار". وأوضح معهد السياسة الدولية والإيطالية في تقرير حديث، أن السياسة الخارجية التي تتبنَّاها إدارة بايدن تركز على اليمن منذ البداية، إذ عينت مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، وشطبت ميليشيا الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وكانت هذه الخطوات تهدف إلى تعزيز فرص الحل الدبلوماسي. لكنها مع ذلك لم تُقدم قراءة متأنية لديناميكيات الحرب السريعة التغيّر. وبدلًا عن ذلك يقول التقرير إن هذه الخطوة "حرمت الإدارة الأميركية الجديدة من ممارسة أي تأثير على الميليشيا، وقدمت حوافز للحوثيين من دون قصد، الأمر الذي جعل قادة الحوثيين يفهمون أن تلك الخطوات الأميركية، تحثهم على توسيع نطاق عملهم العسكري". وأشار إلى "أن الحوثيين استأنفوا بعد ثلاثة أيام فقط من خطاب بايدن حول السياسة الخارجية، أكبر حملة عسكرية ضد مأرب. وقال التقرير "من المفارقات أن تؤدي السياسات الأميركية الأخيرة بما فيها شطب الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية إلى تعطيل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها واشنطن وتفاقم أوضاع الحرب في اليمن وتأزم الموقف". مشيراً إلى أنه نظرًا لأن الحوثيين جهة غير حكومية، فليس لديهم أي مصلحة في إنهاء الحرب، ويتعين على إدارة بايدن تجنب الوقوع في فخ البيانات الدبلوماسية غير المصحوبة بأعمال مفيدة. وعلى ضوء تلك المعطيات والتصعيد العسكري الحوثي على الأرض ورفض الميليشيات للمساعي الأممية والدولية المبذولة لوقف إطلاق النار، يؤكد معهد الدراسات الدولية والإيطالية استحالة تحقيق السلام دون تهيئة بيئة مواتية على الأرض، ولن يتحقق ذلك في وقت ينظر فيه الحوثيون إلى الخطوات الأميركية الأخيرة على أنها بمثابة مزيد من التشجيع لهم لتوسيع نطاق تصعيدهم العسكري. ولفت تقرير معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالية إلى أن مأرب تشكل أهمية إستراتيجية ومعقلاً رئيسيا للحكومة اليمنية، ويتعين على أن تبني الإدارة الأميركية استراتيجيتها الجديدة بحيث يصبح الدفاع عن مأرب من هجوم الحوثيين العسكري بداية أساسية، وسيقود الحوثيين إلى مسار المفاوضات وسيمنع وقوع أزمة إنسانية هائلة.