لا تزال الأزمة اللبنانية تشهد تصاعداً بين القوى السياسية في أكثر من مشهد، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري، صعوبة تشكيل الحكومة، في ظل عدم وجود حكومة من الاختصاصيين وغير التابعين لأحزاب سياسية، وهو ما سيؤثر تأثيراً مباشراً على اتجاهات التفاعلات بين القوى السياسية الفاعلة في لبنان خلال المرحلة القادمة، وذلك في سياق التعامل مع الإشكالية الأبرز في الوقت الحالي والتي تتمثل في تشكيل حكومة جديدة. وشهدت الأزمة اللبنانية تراشقاً إعلامياً بعد تصريح رئيس الجمهورية ميشال عون السلبية تجاه رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري، والذي يتهم فيها الحريري بتأخير تسمية حكومته، ورد رئيس الحكومة المكلف بأن تشكيل الحكومة معروض على رئيس الجمهورية منذ أسابيع، وبسبب إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون المتحالف مع حزب الله وحزب التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر عون، الحصول على أكثرية تضمن له حق النقض على القرارات الحكومية، وتأكيد سعد الحريري أن تكون الحكومة اختصاصين وغير تابعة لأي حزب أو تيار سياسي. ومن المشهد يتضح أن هناك إجماعاً بين القوى اللبنانية بكافة أطيافها بأنه لا تلوح في الأفق بوادر للحل حتى اللحظة باستثناء المبادرة الفرنسية، باعتبارها مدخلا أساسياً لعدة إجراءات لعلها توقف الانهيار السياسي والاقتصادي، حتى يتضح المشهد الإقليمي والدولي بشأن لبنان، خاصة أن الإدارة الأميركية لم تحدد سياسة عملية خاصة بلبنان حتى الوقت الراهن، كما أن فرنسا تطمح إلى أن تتطور المبادرة في المستقبل حتى تعيد تفعيل اتفاق الطائف أو أن يصاغَ اتفاقٌ جديد، وهذا ما وضحه الرئيس ماكرون، بعد أن أطلق مبادرته عقب زيارته لبيروت في 31 من أغسطس المنصرم، إثر انفجار المرفأ. ويجمع الكثيرون على أن سبل حل الأزمة في لبنان، تبدأ من الاتفاق على حكومة اختصاصيين تستطيع استعادة الثقة داخليًّا وخارجيًّا، ولا سبيل للخروج من هذه الأزمة إلا بنهوض لبنان بمساعدة مالية كبيرة من المؤسسات المالية الدولية، ومن المجتمع الدولي، ومن الدول العربية، وكذلك الدول الخليجية ولعله هو الأهم؛ مما يعني عمليًّا، أن الحكومة المنشودة يجب أن تحظى بثقة الشارع لاسيما قوى الحراك ولو بالحد الأدنى، لتكون فاعلة، لكنها أيضًا لن تولد دون أن تحظى بثقة نواب الطبقة الحاكمة. كما يجب أن تكون مقبولة دولياً وعربياً لتحظى بالدعم المالي والسياسي، لكنها أيضاً لن ترى النور من غير أن تتخطى اعتراض إيران التي تحظى بنفوذ محلي لبناني مؤثِّر. ويمكن القول، بأن رئيس الحكومة المكلف يواجه صعوبة في ظل استمرار تمسك القوى السياسية بمصالحها وحساباتها المحدودة وتقاذف الاتهامات فيما بينها، كما كشف عن مدى تباين أجنداتها بناءً على تلك المصالح من جهة، وعلى أساس توجهاتها الإقليمية من جهة أخرى، الأمر الذي سيدفع المشهد اللبناني لمزيد من التعقيد، في وقت أصبح الإنقاذ فيه حرجاً، إلا في حالة حدوث توافق داخلي لتشكيل حكومة إنقاذ متوازنة تضم جميع الأطياف وإدراك الجميع خطورة الاستمرار فيما هي الأمور عليه، وبدون ذلك سيستمر العمل بحكومة تصريف الأعمال التي لا تلبي طموحات الشارع اللبناني.