تتميز وسائل الإعلام بقدرة عالية على شحن الطاقات وتفعيلها، وإمَّا أن تتحول هذه الوسائل إلى أداة فاعلة لبناء الإنسان ومن ثم خدمة مشروعات التنمية البشرية، أو تتحول إلى أداة مدَّمرة تغذي العنف والتعصب. ولأهمية الدور الذي يجب أن تكون عليه وسائل الإعلام في خدمة وتنمية الحس الفكري بالمجتمع ورقيه، شارك عدد من المختصين بآرائهم في تحقيق تجربة "الرياض" حول هذا الجانب المهم. في البداية تشير د. ماجدة عزت غريب الأستاذ المشارك في علم المعلومات إلى أن ثورة الاتصالات ووسائل الإعلام أحدثت تغيراً واضحاً في حياتنا اليومية وانتشارها في كل مكان لبث المعلومات والمعرفة، وتبادل الخبرات والمواقف؛ حيث أصبحت تربط معظم الأعمال والأفراد ومختلف المؤسسات من خلال شبكة الإنترنت؛ وذلك لما تتمتع به من سهولة في عملية الاتصال سواء كان من خلال الحاسب الشخصي أو الهاتف الذكي. والتي أظهرت مجتمعة مفهوم مصطلح المجتمع المعلوماتي والذي يُعنى بالعلاقات الاجتماعية المعلوماتية الجديدة والمتميزة، ومن أبرز ما يميز هذه الوسائل هي التفاعلية التي تجمع بين الفردية والتخصيص الذي يعطي المجال للممارسة المشتركة بين أفراد المجتمع لخدمته. فأصبح بالإمكان التحدث والدردشة بدون تاريخ أو حدود، والتعامل معها كمنصات للمعرفة والتداول الفكري فهي وسائل تجمع بين السرعة في النقل والتداول للصورة والصوت والرسالة بالتالي تكوين اهتمامات فكرية مشتركة تجمع بين الأشخاص، ولا يخلو تنمية الحس الفكري في المجتمع من استخدام وسائل الإعلام لما تتمتع به من مزايا تفتح أبواب التواصل المعرفي وازدهار مبادرات المجتمع المدني من خلال تبادل الأفكار الجديدة وتقديم الحلول لبعض الظواهر المجتمعية الأمر الذي يساعد على تحسين جودة الحياة لتحقيق التنمية المستدامة التي حثت عليها رؤية المملكة 2030 باستراتيجياتها الواضحة. إذ يقدم المجتمع من خلالها للقطاعات المعنية الفرص لمعرفة آراءهم وأفكارهم حول المشروعات والمواقف والمبادرات وكيفية تطويرها بما يناسب احتياجات المجتمع. فقد أعطت الفرد وصاحب القرار المجال للاطلاع والتعبير عن قضايا الرأي العام والاهتمامات المشتركة لتحسين وتطوير المجتمع. فهي تشجع المساهمات وردود الأفعال مع الأشخاص المهتمين وتقديم الخدمات وتذليل الصعوبات وتبادل المعلومات. وتعد وسائل الإعلام جزءًا من نسيج المجتمع تتأثر بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وقد تمتد أبعاد تأثير وسائل الإعلام إلى المجالات التالية (السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية - العلمية والتعليمية - الصحية - البيئية - الدينية - العسكرية) وخير مثال على دورها البارز في المجال الصحي الهام على المستوى المحلي والدولي هو كيفية تعامل المملكة مع جائحة كورونا covid 19 وتوظيف وسائل الإعلام لتوضيح توجيهات وتعليمات وزارة الصحة في بث ونشر الوعي الصحي الاجتماعي على مستوى الفرد والمجتمع. من ناحيته يضيف الباحث والمفكر د. علي مبارك العوبثاني أن وسائل الاعلام سلاح ذو حدين فهي تحتل مكانة مميزة في عالمنا المعاصر وذلك من خلال طبيعة وظائفها وتأثيرها على الإنسان والمجتمع الانساني. حيث أصبحت دول العالم في وقتنا الحاضر تعتمد على ثلاثة أركان رئيسة (الإعلام والسياسة والاقتصاد) لبناء الإنسان والمجتمع الإنساني وهذه المكانة المميزة جعلت وسائل الإعلام تتميز بقدرة عالية على شحن الطاقات فكرياً وتفعيلها فإذا كان هذا الشحن سلبياً عن طريق برامج تنمي العنف أو التعصب فما لا شك فيه أنها ستنتج لنا قنابل موقوتة تتفجر من تلقاء ذاتها في أي وقت. وهنا يكون الحد السلبي لسلاح الإعلام. بينما الحد الإيجابي لسلاح وسائل الإعلام هو المساهمة في صناعة الإنسان المؤمن المستقيم المفكر المنتج وبناء مجتمع راقي متطور فكرياً يساهم في تحقيق أهداف مشاريع التنمية البشرية وفق اتجاهات وسياسة كل دولة، وهذا يتطلب إلماماً جيداً من القيادات الاستراتيجية في توجيه الخطط نحو تحقيق هذه الغايات النبيلة من خلال تجهيز الخطط التشغيلية والتنفيذية للبرامج الموجهة والموارد البشرية المدربة لتنفيذ مشاريع التنمية البشرية وفق المخطط لها لصناعة الإنسان ذي الحس الفكري المتجدد. وتختلف وسائل الإعلام من حيث تأثيرها على الإنسان والمجتمع إما أن يكون التأثير مباشراً عن طريق برامج معينة حسب الخطط المعدة لذلك أو غير مباشر من خلال أي توجه أو أسلوب أو طريقة لم يخطط لها ويحدث التأثير من خلالها بشكل غير مباشر. بدوره يشير الدكتور ماجد بن حاتم الحارثي الأستاذ بكلية الاتصال والإعلام مستشار وكيل الجامعة للشؤون التعليمية في جامعة الملك عبدالعزيز إلى أن وسائل الإعلام من حولنا كالأمواج المتلاطمة التي تصيبنا وتؤثر علينا من كل اتجاه، وعلى مستوى جميع شعوب العالم فإن هذه الوسائل الإعلامية المتعددة يتابعها الكثيرون، ويهتمون ويتأثرون بها على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم ومستوياتهم العلمية، ويقضون في متابعتها الساعات الطوال حتى أصبحت هذه الوسائل الإعلامية مغذياً أساسياً للفكر وموجهاً رئيسياً للرأي. ولا شك أن لهذه الوسائل قدرة عالية على شحذ الهمم وتفعيل الطاقات، ولكن في نفس الوقت قد تكون معول هدم وأداة تثبيط لعدد من المشاريع والأفكار. وقد يحصل أحياناً أن فكرة أو مبادرة تبرزها إحدى الوسائل الإعلامية وتعتني بها فتصبح ذات شأن ويذيع صيتها ويقتدي الناس بها، وعلى الجانب الآخر ربما تكون هناك فكرة أو مشروعاً واعداً لا تعتني به هذه الوسائل، أو ربما توجه إليهم أسهم الانتقادات السلبية فتقضي على هذا المشروع الواعد وتقتل هذه الفكرة الإبداعية. هذه الوسائل الإعلامية المتعددة يجب أن تعي وتفهم ما الدور الذي يجب أن تكون عليه، وما الرسالة التي يجب أن تحملها لمتابعيها، وكيف تتعامل مع كل ما هو مؤثر على المجتمع وأفراده، تركيز هذه الوسائل على النماذج الإيجابية والمشاريع والأفكار التنموية التي ترتقي بالمجتمع وأفراده دور أساسي ومؤثر لهذه الوسائل. إن عمل هذه الوسائل على إبراز المواهب والقدرات البشرية ودعم المشاريع والبرامج التنموية رسالة سامية لهذه الوسائل وواجب وطني ومجتمعي عليها القيام به. والنماذج الإيجابية التي أبرزتها وسائل الإعلام المختلفة كان لها دور اجتماعي مؤثر وفعال، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو البرامج التلفزيونية والتقارير الصحفية. لذلك ينتظر المجتمع وأفراده الكثير من الدور الإيجابي للوسائل الإعلامية في بناء الإنسان والمجتمع وتنمية الفكر والارتقاء به. د. ماجدة: يتزايد تأثير الإعلام في حياتنا اليومية د. العوبثاني: وسائل الإعلام سلاح ذو حدين د. الحارثي: "الإعلام" تغذية للفكر وشحذ للهمم