واصلت جلسات الحوار الوطني فعالياتها المتمثلة في ندوة (الإعلام والحوار الوطني.. العلاقة بين المضمون والوسيلة) والتي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وسط حضور متميز من قبل الإعلاميين والمفكرين والأكاديميين. بدأت الجلسات بورقة قدمها د. ماجد الماجد نائب رئيس تحرير مجلة الدعوة.. قال فيها: في البدء لا بد من التذكير أن العلاقة بين الإعلام والحوار الوطني لم تكن علاقة ودودة، حيث حجب الأول عن جولات العقول المتحاورة في اللقاء الأول في الرياض والثاني في مكةالمكرمة والثالث في المدينة، ثم سمح له أخيراً في اللقاء الرابع بالمنطقة الشرقية، وهو ما يشير إلى تخوف قاد إلى إقصاء غير مسوغ عند رجال الإعلام.. فهل خطوة المركز في الانفتاح على الإعلام هلال يوشك أن يكون بدر العلاقة بين الإعلام ومؤسسات الوطن عامة.. ولا سيما أن المركز هو المؤمل عليه أن يقود المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في تصحيح العلاقة بين الإعلام وتلك الجهات، وأن يبرأ الموظف الحكومي من (فوبيا الإعلام). وعلى الضفة الأخرى أليس الإعلام موطناً مخوفاً يفسد على المهتمين بترسيخ قيم الحوار مشروعهم؟ أوَليس في الإعلام تحيزات واضحة، ومواقف مسبقة تعطف بالأحداث، كما يرغب أهل الإعلام، بل كما يرغب رئيس التحرير وأحياناً المحرر الثقافي.؟ ألم يتوحد الحدث وتتغاير التغطية وتختلط بتوجيهات الصحف في اللقاء الرابع الذي كان مشرعاً أمام الإعلاميين ولم يفتح أمام بعض منسوبي المركز نفسه؟ ألم يكبر الصغير ويصغر الكبير في الحدث الحواري؟ ومع ذلك يمارس الإعلاميون دورهم كما يريدونه، فحتى في زمن الحجب خرجت صفحات الجرائد وكأنها في قلب الحدث، وتفنن المشاركون في تسريب الوقائع لمحرري الصحف؟ وبمعنى آخر إن كانت التغطية واقعة لا محالة، أوَليس من تفويت الفرصة على من يتمنى الاستمرار في بقاء القارئ متحيراً بين الروايات أن تتاح جلسات الحوار لأهل الإعلام؟ وهكذا فعل القائمون على مركز الحوار الوطني ففتحوا الأبواب الرحبة لرجال الإعلام وتلقوهم خير تلق في المنطقة الشرقية. غير أن الحال هو الحال، بقي الانحياز وعمليات التهويل والتهوين ولسان الحال الإعلاميين: سنبقى على (الركيزة الأولى) وإن كانت ظاهرة الاعوجاج.. وكان بعض أهل الإعلام لا يريدون بناء جسور من التفاهم بين المتحاورين وجمع الكلمة بل تسديد أهداف خاصة في مرمى الفريق المغاير في التوجه.. وتلك المشكلة حقيقية، لأن الإعلامي حين يدخل طرفاً في حوار فكري يخل بمعادلة التكافؤ في الفرص بين المتحاورين، وإذ يمكن للمحاور (بلع) هذا الإخلال بوعيه وبعد نظره فإن ردود الفعل السلبية وتزايد الاستقطاب إنما تأتي من أتباعه وموافقيه في التوجه، وهكذا تضيع جهود مركز الحوار الوطني ويجهض جنينه قبل تمامه. أما التلفزيون والإذاعة والتلفزيون وتغطيتهما للحدث الحواري، فإنه باستثناء اللقاءات الجانبية التي يجريها د. محمد العوين على هامش اللقاء تتسم التغطية التلفازية والإذاعية بالإيغال في البرود، وهي على الطرف من التغطية الصحفية الموغلة في الانحياز والتقاط الآراء المتوافقة مع توجهات المحرر. أي أننا أمام معضلة حقيقية في علاقة الإعلام بالحوار الوطني، فما بين الحجب، إلى التغطية المنحازة، إلى التغطية الموغلة في البرود؟ وذلك يقودنا بالضرورة إلى البحث عن منهج سامٍ في التغطية يتساوق والهدف السامي الذي أنشئ المركز من أجله.. لقد بات من الواضح أن الإعلام يدفع بالعلاقة نحو الصدام والاستقطاب أكثر منه نحو التعايش والتفاهم؟ من المسؤول عن هذا.. رؤساء التحرير أم المحرر.. أم أنهم لا يرونها مشكلة من حيث المنطلق وأن صفحات التغطية المخصصة للحوار يُراد لها أن تكون بهذا المنهج.. ونعيد السؤال: ما مدى الصدقية في التغطية الإعلامية بين (الواقع الحواري) و(التغطية الإعلامية)؟؟ ولمن يود تلمس شوك هذه الظاهرة المؤلمة، فليتابع مواقع الإنترنت وتعليقاتها على تغطيات الصحف وكيف يزداد الاستقطاب بين ممثلي التوجهات الفكرية في الوطن.. ***** كما قدمت الدكتورة فاطمة القرني الأستاذ المساعد بكلية التربية للبنات ورقة بعنوان (الإعلام والحوار الوطني) قالت فيها: ابتداءً.. أشكر لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تواصل جهوده الجادة المخلصة في سبيل الحفاظ على وحدتنا الوطنية، وإذكاء روح الحوار البناء بين المنتمين لمختلف فئات مجتمعنا، وامتداداً إلى من نتعالق معهم ثقافياً واقتصادياً باتساع عالمنا الإنساني الشاسع الأطراف. وتمشياً مع تنبيه القائمين على المركز في دعوتهم الكريمة للمشاركين بألا تتجاوز المساهمة الفردية لكل منهم حدود الثلاث صفحات، فسأوجز بتوقفي عند عدد من محاور الندوة، مركّزة على بضع نقاط رئيسة أحسبها تتصدر ما يستدعي العناية والاهتمام: أولاً: فيما يتعلق بالمحورين الأول والثاني والسادس، يُنتظر من وسائل الإعلام (الصحفية) و(المرئية) و(المسموعة) أن تسعى جاهدة لتجاوز طبيعة أدوارها الوطنية النمطية السابقة التي يمكن وسم معظمها بطابع (الخدمة الوطنية الموسمية) إلى مساحات زمنية ومكانية وإنسانية أشمل وأرحب وأطوع للتواصل والاستمرارية بحيث لا يقتصر بروز فعالياتها (الوطنية) على مناسبة (اليوم الوطني) و(الحج) و(رمضان) و(أسابيع التنشيط السياحي الصيفية)... إلخ، وإنما تُفعّل أدوارها الوطنية محلياً وعالمياً على امتداد السنة وفصولها المتعاقبة. ثانياً: الأهم فيما له صلة بالكتاب والحوار الوطني المدرسي من الكتب أو الثقافي العام، أن تعمل كلتا الجهتين.. أقصد: مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ووسائل الإعلام المختلفة على بعث الحياة فيما تهالك من وجوده المؤثر قلباً وقالباً، على مستوى جدة المادة العلمية (الحوارية الوطنية على وجه التحديد)، وعلى مستوى البحث عن جيده القصي عنّا، مما ينتمي إلى ثقافات مغايرة، وتوفيره، ومن ثم تسويقه داخلياً، ولا يخفى هنا أن مادة (التربية الوطنية) المقررة في بعض مراحل التعليم لا تفي إلا بجزء يسير من أهداف وجودها السامية، كما أن استمرار أسلوب (المنع) المعمم المصادر لكل ما يخالفنا ثقافياً وعقدياً ممارسة قاصرة تُعمينا فكرياً وإنسانياً أكثر مما تحمينا كما يتوهم المؤمنون بها. وعليه.. فلعل المركز، وبمؤازرة وسائل الإعلام المختلفة يتبنى ضمن مساعيه ما يقوّم المسارين، وذلك بالدعوة إلى (إلغاء) مادة التربية الوطنية، والتوسع في فكرة تقريرها لتكون وجوداً شاملاً يتخلل كل المقررات التعليمية، ويبرز بفاعلية أظهر في مختلف الأنشطة (اللا صفية) وبخاصة: (الحرفي.. والإبداعي منها) وفي المقابل.. العمل على بناء قنوات تواصلية متعددة مع (الآخر) أياً كان معتقده وفكره يكون الكتاب واسع الانتشار في صدارتها منّا... وإلينا. ثالثاً: الإنترنت والحوار الوطني، هذا المحور يتسنم كل محاور الندوة من حيث الأهمية، وأحسبه لم ينل ما يستحقه من جهود مركز الحوار حتى الآن، أعني بصفة مستقلة مركزة، ولعل هذه الندوة المباركة تكون منطلق مبادرة يُقرّر من خلالها تشكيل لجنة مشتركة من منسوبي المركز، ومن عدد من وسائل إعلامنا الرئيسة يكون همّها الأول إجراء استطلاع ميداني لحصر مواقع الإنترنت الأبرز استقطاباً للمرتادين وبخاصة من بين فئة الشباب فتيانا وفتيات، ومن ثم.. استكتاب بعض الأسماء المؤثرة في تلك المواقع، أو توجيه بعض الأقلام والعقول الواعدة للانضمام إليها. ومن خلالها يمكن طرح الكثير من القضايا الوطنية للنقاش بأساليب مستنيرة أكثر موضوعية وأشد حذّراً وتجنباً لكل ما يثير الفتنة والتنازع بين فئات الوطن المتنوعة البيئات والعادات، بل وحتى المذاهب، وكذلك فيما بيننا وبين من هم خارج الوطن، عرباً ومسلمين، وغير هؤلاء وأولئك. رابعاً: (توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية). هذه العبارة الطويلة المقوسة تمثل خامس أهداف إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ولقد تذكرتها وأنا أقف بالمحور الخامس من محاور الندوة، وهو: الاتصال الشخصي والجمعي والحوار الوطني، فتحقيق الاتصال الفاعل بين المركز بموازاة وسائل الإعلام المختلفة، وبين فئات المجتمع المتعددة فردياً وجمعياً لا يمكن تصوره في التشكل الأمثل في ظل غياب مؤسسات مجتمع مدني شاملة لمختلف قطاعات الدولة وممثلة للمنتمين لمختلف مناطقها مدناً وقرى وهجراً. إن تمكين المواطن من قناة توصيل شفافة مخلصة لرأيه ولفكره، لهي أولى وأهم وسائل احتوائه، ومن ثم حمايته والاحتماء به في مواجهة (الآخر) المعادي، ولعلي أركز هنا على ضرورة وجود النقابات الطلابية، ونقابات المهن المختلفة... إلخ أشباه ذلك مما يمكن من خلاله توسيع مجالات المشاركة الشعبية في الأعمال الوطنية التطوعية، وتنمية وترسيخ فكر المواطنة الحقة من خلال معاودة إحياء مساعي التأصيل الشرعي لها مرات ومرات، مذكرين بأن قداسة الأرض لا تقتصر على مواطن الرسالات، فكل أرض المسلم حرام، وكل استهداف لها ظلم وعدوان، وكل منافحة عنها وافتداء شهادة في سبيل الله تعالى. هذا.. والله أسأل لنا جميعاً سداده وتوفيقه ونصرته على الحق. دور الإعلام في تعميق الحوار الوطني بعد ذلك قدم د. عبد الرحمن بن محمد القحطاني، أستاذ الإعلام المساعد، قسم العلوم الإنسانية، كلية الملك خالد العسكرية بالحرس الوطني، ورقة عمل بعنوان: (دور وسائل الإعلام في تعميق الحوار الوطني لدى المواطن السعودي) قال فيها: يؤثر الحوار الوطني بدرجة كبيرة على عجلة التنمية الشاملة لأي دولة تنشد الأمن والاستقرار والتقدم مخلفة ثأثيراً نفسياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً على الدولة ومواطنيها. فوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية يمكن أن تقوم بدور أساسي في تعميق الحوار الوطني، لدى جميع شرائح المجتمع بمختلف توجهاتهم ومعتقداتهم، وذلك بنوعية الرسائل الخاصة بمحاور الحوار الوطني والمطروحة في محتوى المادة الإعلامية، التي يبدعها القائمون والعاملون على تلك الوسائل، سواء في انتقاء موضوعاته أو تحديد مادة إنتاجها الإعلامي (آراء، وجهات نظر.. إلخ)، أو الأسلوب الأمثل للتأثير على المتلقين، أو عند اختيار الوسيلة المناسبة لتقديم المادة الإعلامية المتفق عليها. وتعد تلك الوسائل الإعلامية وسيطاً فعالاً من أوساط الارتقاء بالوعي وتنشيط العقل على مستوى الفرد والأسرة، وتشجيع المؤسسات التربوية والتعليمية، في تنمية الحوار الوطني، وذلك ضمن إطار نظام كلي متكامل يعتمد أساساً على الأساليب والمناهج العلمية في مناقشة كل أمور الحياة، ومحوره الإنسان، في إطار النظرية السلوكية في التعلم، باعتبار أن التعلم هو تغير في الأداء يخضع لشروط الممارسة، حيث يمكن اعتبار الحوار الوطني عادة سلوكية إيجابية متعلمة، وأن عملية تدعيم السلوك الإيجابي عند الحوار الوطني، هي عملية نفسية تقوم في أساسها على التعلم، التي تدخل في أحداث العقلانية عند الحوار، وبالتالي التكيف المطلوب، الذي يعتمد في جوهره على تنشيط المنبهات البيئية ووسيلة هذه البرمجة، ونقصد هنا بالحوار الوطني بكل منطلقاته ومدخلاته. إن عملية توظيف وسائل الإعلام واستخدامها كوسيط لتنشيط الحوار الوطني، وعملية تصميم البرامج الإعلامية الهادفة؛ الدينية والصحية والاجتماعية والنفسية والعقلية والاقتصادية وغيرها، يجب أن ترتكز أولاً: على فهم سليم لمتغيرات تلك المواضيع، ومن أبرزها الانفتاح العالمي الذي نلحظه اليوم. ثانياً: التركيز على الخصائص النفسية والسلوكية، للمتحاورين والمتلقين، كل ذلك عبر وسائل الإعلام. ومن أهم هذه الوسائل ما يلي: 1- الصحافة: الصحافة من بين وسائل الاتصال الجماهيري، حيث ينحصر تأثيرها بشكل كبير في المدن، حيث ترتفع نسبة الوعي العام ويكثر التواصل بين الأفراد، وبالتالي تقوم الصحافة بدورها الإيجابي في تنشيط الحوار الوطني من خلال النشر المنضبط وإيضاح الجوانب السلبية لمواضيع الحوار وتأثيرها وخطورتها على المجتمع، مقابل عدم إضفاء طابع التمجيدي والنفاق الإعلامي السياسي على حساب إثراء الوعي العام بأهمية الحوار الوطني، وخطورة ما يحاك للمجتمع من الداخل والخارج على قيمة الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية. 2- الإذاعة: الإذاعة المسموعة من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية، وهي من الوسائل الإعلامية الساخنة التي تجعل المستمع في حالة من الانتباه والتخيل والتحليل السريع، حيث يمتد تأثيرها، لمن لا يقرأ أو يكتب، وبالتالي فإن برامج الإذاعة، والمنتقاة بكل دقة تنشط الحوار الوطني، الأمر الذي يوسع نطاق المشاركة الأكبر من المواطنين. 3- السينما: تعد السينما من أبرز الوسائل الإعلامية المؤثرة والجذابة، وللأسف الشديد لا يوجد دور للسينما مقابل ضعف المسرح، الأمر الذي يتطلب أن يفسح المجال لتلك الوسيلتين، حيث (... إن السينما تعرض لمواقف قريبة من الواقع دون أن تكلف المشاهد مجهوداً كبيراً لفهمها (وتترك) أثراً ثقافياً وفكرياً ونفسياً على المشاهدين)، بل تسهم في تثقيف المشاهد كثيراً من أنواع الحوارات الإيجابية، وذلك من خلال المحاكة داخل مضامين الفلم. 4- التلفزيون: تلعب برامج التلفزيون بأنواعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والترفيهية والدينية وغيرها دوراً مهماً في توسيع مدارك الفرد وتفهيمه أكثر القضايا والمواضيع تعقيداً لإيجاد تفهم حضاري بين أفراد المجتمع الواحد، فالتلفزيون محركاً للتغير الاجتماعي، حيث وضعت حياه الأسر بسبب الفضائيات وفقد الفرد قدرته على التبصير في الوسائل الطبيعية للحكم على الأحداث والأشياء ليعيش في بيئات اعتباطية مصنعة لتطمس الفكر وتبلد الحس والتوجه، والأخطر الشخصية، حيث يمكن للتلفزيون في هذه البيئة تقديم رؤية للمواضيع وفق طرح صريح وصحيح، ومن خلال صياغة الوقائع للجميع ودق ناقوس الخطر على الأمة، وذلك من خلال تقوية وتعميق الحوار الوطني الإيجابي؛ وخصوصاً الحوار الذي ينبذ إقصاء الطرف الآخر والعنف. 5- الإنترنت: يعدّ الإنترنت من أبرز الظواهر التي تتميز بها حضارة القرن الحالي، وتعزز أهميته بمدى، بل وتأثيره، حيث ترتفع نسبة القادرين على التعامل المباشر مع الحاسوب، وبالرغم من خطورة استخدامه في ترويجها الشائعات والعنف وإشاعة الفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع السعودي، وذلك من خلال المواقع التي تكشفها الأجهزة الأمنية لمواجهة مروجيها، إلا أنه الإنترنت، يقوم بدور الإيجابي الفاعل في تفعيل الحوار الوطني، ويتطلب إيجاد طريقة علمية لاستخدام الإنترنت في الحوار الوطني لكي يستعمله الفرد لتفهم طبيعة الحوار الوطني ودمجه داخل ذاته حتى يستطيع التحاور والتكيف والتقبل. إن تأثير وسائل الإعلام في تعميق الحوار الوطني لدى المواطن (المواطنين) السعودي تتطلب العناية بعملية التواصل وخصوصاً التواصل الجمعي Group Communication من مصدر واحد إلى عدد من الملايين بهدف إحداث التأثير عليهم للعمل الوطني. وتأسيساً على ذلك فإن شروط التأثير وتعميق الحوار الوطني، تتطلب معرفة الأمور التالية: أ- التأثير العقلي: وذلك من خلال التعرف على نوعية الذكاء والقدرات العقلية للفرد السعودي ومدى تقبله للأفكار ذات العلاقة بمواضيع الحوار وكيف يمكنه التفاعل، بل كيفية التفكير المنطقي في الحوار. ب- التأثير الاجتماعي: وهو محاولة جادة من وسائل الإعلام في مساندة الفرد السعودي لقبول الطرف الآخر والتحاور البناء الصادق الهادف. ت- التأثير الانفعالي: زيادة التقرب للفرد السعودي سواء أكان محاوراً أو غير محاور وتدعيم أواصر الحب بين المحاورين ومتلقي الحوار الوطني. ث- التأثير الجسماني: وهو أن الحوار العقلاني والهدوء وضبط الانفعال سبب من أسباب الصحة الجسدية والنفسية والعقلية. ج- التأثير اللغوي: باستخدام الكلمات والعبارات اللغوية المؤثرة ذات الارتباط الوثيق بتكوين ملكة الوعي والإدراك وإبداء الرأي المقبول الذي يخدم المصلحة العامة. ح- التثقيف الحواري: وذلك بتدعيم الحوار المبكر لدى أطفالنا والبعد على عوائق العنف والفرض، بل وتدعيم أهمية تنمية الحوار لدى أبنائنا تجنباً لإثارة النزعات والعنصرية القبلية وغيرها التي قد تؤدي إلى مشكلات داخل المجتمع السعودي، إذ إن دور الوسائل الإعلامية هنا القيام بعملية الإيحاء بأهمية الحوار الوطني والمشاركة فيه. ولا يمكن تحقيق ذلك التأثير إلا بمعرفة المصدر -على سبيل المثال- مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - خصائص البيئة الشخصية لأفراد المجتمع، التي تتكون بالإضافة إلى الوراثة المكتسبة البيئة التي يعيش الإنسان في وسطها ويؤثر ويتأثر بها، وبالتالي معرفة الاتجاه المعرفي والعقدي والسياسي والثقافي جميعها عوامل مهمة جداً في عملية التأثير، بالإضافة إلى تفعيل الحوار الوطني ذاته، لكسب تعاطف وتفاعل الناس تجاه الحوار الوطني. فدور وسائل الإعلام بوسائله المتعددة: الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما والإنترنت، جميعها تسهم في تنشيط الحوار الوطني في المجتمع، شريطة أن تكون البرامج على قدر كبير من الإنتاج اللغوي والفني والخيالي وتكون تلك الوسائل مجملة إذا أخذت تنشيط العقل السعودي تجاه المشاركة أو المساهمة في الحوار الوطني كفكر، أو تبنيه لنتائج الحوار الوطني وما يتم التصديق عليه من مقام الدولة، كإحدى مهامها الرئيسة حتى يمكن احتواء البيئة الخاصة بهن وتلك شروط تنشيط الحوار الوطني لدى كافة أفراد المجتمع. فالإعلام بوسائله مع ذلك تكون سلاحاً ذا حدين فهو يساعد في توضيح الحقائق والمخاطر، وذلك بعرض الصور الواقعية لآثار المتغيرات والتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، إذ ينبه أفراد المجتمع على ما يدور حوله داخلياً وخارجيا. ومن الخطأ أن تقوم تلك الوسائل - وخصوصاً الصحف اليومية- عن غير قصد، بالدعاية على نجاح الحوار الوطني دون دراسة علمية على ما تم تحقيقه من قبل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وذلك من خلال نشرها للأخبار المتعلقة بالحوارات الوطنية السابقة، والتركيز على ما دار من اختلاف في وجهات النظر، ولماذا حدث ذلك، دون الإشارة إلى آثارها الإيجابية للفرد والمجتمع؛ بعيداً على اللمز وتصفية حسابات. إن دور مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بالمشاركة مع وسائل الثقافة والإعلام، هو تدعيم إحدى وظائف الإعلام وهو (التعبئة العامة)، وذلك من خلال إعداد حملة إعلامية للتوعية بأهمية الحوار بشكل عام والحوار الوطني بشكل خاص، فضلاً عن معرفة ما تتطلبه الحملة الإعلامية من خطوات عملية وعلمية. إن على وسائل الإعلام عند مواجهتها لتنشيط الحوار الوطني أهمية الأخذ بالآتي: 1- استمرارية تفعيل الحوار والحوار الوطني، بحيث تكون الحملات الإعلامية التوعوية لمدة طويلة وفي فترات ثابتة ومستمرة. 2- تكاملية البرامج الإعلامية المختلفة مع برامج المؤسسات التعليمية والتربوية الأخرى. 3- توافر المعلومات الكافية عند معدي ومقدمي البرامج. 4- اختيار المذيعين ومقدمي البرامج ذوي المهارات الاتصالية العالية. 5- التحوط لمسألة استشارة حب الاستطلاع عند الجمهور. 6- التأكيد على أهمية مسألة تقسيم الجمهور وتصنيفه. 7- تقويم ما يقدم الإعلام للجمهور من مضامين معينة في إطار برامجه المختلفة. المقترح: المقترح هو: تكوين لجنة إعلامية مقرها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وترتبط مباشرة بسعادة الأخ الفاضل أمين عام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وهو أمر في غاية الأهمية. تكون مهمتها وضع المحددات والمنطلقات الأساسية للجنة وتوضيح أهدافها وهيكلها ومهامها ووسائلها. الحوار: ممارسة ثقافة البناء والانتماء ثم قدمت د. ثريا العريض ورقة عمل عن (ممارسة ثقافة البناء والانتماء).. قالت فيها: لماذا أصبح هذا المشروع البنائي المهم الذي نسميه (الحوار الوطني) ضرورة مصيرية في هذا الوقت بالذات؟ وما علاقة ذلك بالإعلام والحوار مع الآخر عبر الحدود؟ أبسط تعريف للحوار هو أنه الكلام المفيد المتبادل بين طرفين أو أكثر لهدف واضح مقبول يرضي جميع الأطراف ويحمل من كل طرف للأطراف الأخرى معلومات مفيدة مطلوبة لتوضيح حقائق الأمور على أن يحترم كل طرف حق الآخرين في المشاركة وذلك بالإصغاء لما يقولونه دون افتراض خطئه مسبقاً. وبهذا المعنى لا يدخل ضمن تعريف الحوار احتكار الكلام من مصدر واحد ولا أية خطابية سفسطائية موجهة للاستهلاك المحلي المؤقت بالمناسبات.. كما لا تقبل فيه أي تبريرات أو تفسيرات مراوغة لأفعال غير مقبولة. نحن مجتمع بشري طبيعي بكل مواصفات البشرية، وإشكالية أي مجتمع بشري هي أنه يتكون من فئات متباينة عليها أن تتعايش في سلام.. ونحن في ذلك لا نختلف عن المجتمعات الأخرى في العالم، ولكننا ندعي خصوصية تسمح لنا بمحاربة التباين إلى حد فرض ذلك بالقوة على من لا يقبل.. وتحت هذه الخصوصية الانتقائية فقد بعضنا حق ممارسة الحوار السليم والفرص المتكافئة، كما سمحت بأن تطغى فئة منّا لتملي رأيها على من تراهم جاهلين يحتاجون وصايتها دون نقاش. ويتمخض عن هذا الانحراف في توازن المجتمع أن تولد فئة لا يتاح لها أن تعبر عن رأيها أو تطالب بحقوقها فتمسي غاضبة من الظلم المجتمعي وتتكاثر فئة مقابلة مصرة على فرض مرئياتها على الآخرين بأية وسيلة مهما كانت غير مقبولة في أعراف العالم المتحضر. في مثل هذه الأجواء يتردى الحوار المحلي والعالمي إلى نمط غير حضاري وحروب كلامية قد تؤدي إلى حروب حقيقية بمبررات مختلقة تخدم مصالح خاصة للأطراف المعنية.. وهي في الغالب مصالح سياسية واقتصادية هدفها الهيمنة وليس الإصلاح. الحوار إذن ليس في اجترار وتكرار ما نعرفه ونؤمن به، بل هو في الانتباه إلى ما نتعلمه من الآخر المختلف عنه فنثري به معرفتنا وقدرات عالمنا المشترك. يأتي السؤال من هو الآخر؟ هو كل من نراه يقف خارج مواصفات متخيرة نراها تجمع فئة منّا تحت مسمى (نحن) وقد تتقلص فتصبح مجرد مصطلح (أنا) في مقابل كل الآخرين عداي. وما أصغره وأضحله من عالم لا يضم سوى فرد واحد محدود المعرفة والتجربة والثقافة. وما زلنا نمارس مبدأ أننا لا نتعلم إلا من مرجعياتنا الخاصة التي نعطيها كل ثقتنا ونرفض ما عداها، حيث قد يحمل لنا السم في الدسم. وهو منطلق لا غبار عليه إلا حين يتحول إلى قيد يمنع منّا حرية التفكير والتبصر ومحاولة الوصول إلى الحقائق بأنفسنا خصوصاً أن ديننا الحنيف يحضنا على التفكر والتدبر والتأمل. إن التفكير حق من حقوق الإنسان. وهو حوار الإنسان مع الذات حين لا يتوفر المحاور الذي تطمئن إليه النفس. كما من حق كل إنسان أن يعبر عن وجوده الجسدي والفكري والمعنوي والفني طالما لا يضر بالآخرين، وأن يسمح له بمحاولة الوصول إلى أقصى طاقاته وممارسة عضويته في المجتمع بفعالية إيجابية. ولكل إنسان الحق في أن يعيش آمناً وأن يتمتع بحقوق لا تقل عن حقوق غيره على ألا يتعدى على حقوقهم. ومع الأسف كانت أجواء العقود الأخيرة أجواء نمو اقتصادي وجمود فكري، حيث تقلص مجال الحركة الفكرية الفردية والمجتمعية في جو الخنوع للصوت الأحادي العالي وقد يكون خصوصية تقبلها المجتمع ولو على مضض للتعامل مع الخوف والإخافة حين تنامى تيار يفتعل المسببات لإملاء سلطته ومنحها شرعية مختلقة. ويظل التراجع الداخلي شأناً محلياً مثل الإصابة بعلة تسبب المعاناة لصاحبها ولكنها ليست من شأن الآخرين. أما حين تتفشى العلة إلى عدوى وباء يهدد أمن وسلامة الجوار القريب والبعيد فإنها تخرج عن طور الشأن الداخلي وتصبح شأناً عالمياً يخص كل من تطاله بالضرر. عندها لا يمكن التهرب من مسؤولية التجاوزات بتبريرات الخصوصية المحلية. هكذا بعد انتشار ممارسات الإرهاب والاعتداء على النفس التي حرّم الله إلا بالحق إلى سائر أرجاء العالم بما في ذلك مدننا وجوارنا الحميم، أصبح الحوار ضرورة مصيرية لتعديل المسيرة وإعادة التوازن في نظرة الآخرين إلينا في موقف متناقض نحن فيه الضحية والمعتدون. وبقدّر ما ألوم الآخرين على نقص معرفتهم بمثاليات العقيدة الإسلامية وبراءتها من إجرام الأفراد ورفضها الإرهاب وظلم الأبرياء جملة وتفصيلاً، ألوم أنفسنا على مهادنة خطابية المتطرفين وغوغائية تيار رفض الآخر حتى تصدع مجتمعنا ذاته منحدراً إلى درك (أنا ومن يوافقني) ضد (الآخر المختلف). نحن الآن في موقف مواجهة الأسئلة المصيرية: نواجهها داخلياً: من المسؤول ولماذا؟ كيف سمحنا لفئة منحرفة أن تتمادى لتضعنا كلّنا في موقع المتهم الموبوء المرفوض عالمياً؟ ونواجهها من العالم: ماذا تفعلون لإيقاف عدوانية الإرهاب وتجفيف روافده؟ مثل غيرنا من البشر نكره الاتهامات الجائرة: لسنا ملائكة ولكن ما الذي سيقنع العالم أننا لسنا شياطين؟ التصريحات الإعلامية في حد ذاتها لا تكفي. لكي يغير الآخرون فكرتهم السلبية عنّا يجب أن نصحح مسارنا فعلياً. والحمد لله أننا بدأنا في ذلك فعلاً وما لقاءات الحوار الوطني إلا أول الطريق في مسيرة طويلة واعدة. فنحن لن نزدهر كمجتمع في عالم متحضر ان لم نتطور في سلوكياتنا فنتقبل وجود وحقوق الآخرين ومارس ثقافة الحوار الإيجابي ونطبق متطلبات التعايش. لا يعني ذلك أن الخلاف بين الأفراد والفئات حول العديد من القضايا المصيرية سيختفي وينعدم، بل يعني أننا سنتقبل اختلافاتنا حول هذه القضايا كأمر طبيعي لا يدفع أحد منّا إلى تكفير أو تصفية الآخر. هناك ما يجب أن نفعله كفريق واحد.. انتماؤه للوطن أن نعلن رفضنا الكامل لتبرير قتل الأبرياء في أي موقع من العالم، فالنتيجة الطبيعية هي ما وصلنا إليه من استعداء العالم ضدنا لأن فئة شاذة منّا جعلتنا أعداء العالم كلّه يخافوننا ويرفضون مشاركتنا وجودهم خارج الأسوار ويتدخلون في حياتنا الخاصة مدققين فيما نفعل وما نؤمن به وما نعلم أولادنا في المدارس والبيوت.. ولنبدأ بإعادة تثقيف المجتمع يجب أن نوقف تيار المصالح الأنانية المغلفة بالخطابيات ونرفض أفكار تمجيد ثقافة الموت والانعزال عن متطلبات بناء الحياة الدنيا في انتظار ثواب الآخرة. لننظر مدققين فيما نعلمه لصغارنا ونتحمل مسؤولية التنشئة الجادة التي ستقرر ما ستخذونه من قرارات بشأن مسؤوليتهم شباباً وبالغين. الذي يرفض تقبل الآخرين لا يتقبله الآخرون. اليوم هناك ضغوط مزدوجة.. المتطلبات داخلياً وخارجيا.. لا بد أن نعترف أن توفر أجواء الحوار السليم ولتعايش والتقبل للآخرين ضرورة ثقافية وحضارية، خاصة ونحن ننطلق من أجواء الحوار داخل الأسرة الصغيرة إلى الحوار مع العالم الخارجي بكل ما تحمله لنا العولمة من تحديات لا بد أن نتفاعل معها بصورة إيجابية وبمصداقية يحترمها الآخرون الذين نتعامل معهم كمستهلكين يحتاجون منتجاتنا وكمصدرين نحتاج منتجاتهم، كما فعلنا في انضمامنا فعلياً لمنظمة العمل الدولية وجمعيات حقوق الإنسان ومحاربة التمييز والعنف وانضمامنا لها يعني التزامنا بقوانينها ومطالبها الخاصة بحقوق الآخرين من المواطنين وغير المواطنين. وعلينا أن نعترف بأن التعددية هي سمة العالم الذي خلقه الله ليتكامل ويتعايش ويثري باختلافات أفراده وتمايزاتهم روافد الحياة المشتركة من علم وفن وعطاءات متعددة. ولا يعني ذلك أن نخلع ثوابتنا، بل إن نفرق بين الثوابت وتجاوزات المجتمع التي قد تتحول إلى ممارسات ظالمة للغير. وبالتالي سنتعلم كيف نثمن البناء وليس الهدم ونمارس التعاون كفريق بدلاً من رفض الآخرين ومحاولة إلغائهم من معادلة الحياة العامة أو قولبتهم على ما نريد بغض النظر عمّا يريدون. هذه الحياة المشتركة تبدأ بالحوار والإصغاء للآخرين لسماع وجهة نظره وإسماعهم وجهة نظرنا في سبيل الوصول إلى منطلق مشترك نبدأ به المسيرة المجتمعية. من هنا يأتي منطلق الحوار لكي لا يلغي أحد منّا الآخر في هذا العالم الواسع الذي خلقه الله أمناً للجميع وليس لنا حرية احتكاره لفئة بعينها.