التكافل الاجتماعي سمة كل مجتمع سليم، لا سيما المجتمع المسلم الذي يستقي هذا العمل الشريف من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذان المصدران هما الدليل والمنهج لحياة المسلم في سائر حياته. القرآن الكريم في غير ما آية يذكّر بالتكاتف والتعاون، يقول الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، هذا الخلق النبيل والشعور والإحساس بالجسد الواحد وإن كان مندوبا كل وقت؛ إلا أنه يظهر جليا في رمضان حيث تتوق النفوس إلى المسارعة في الخيرات حين ينادي المنادي: يا باغي الخير أقبل. إن تلمس حاجات الفقراء والمساكين خاصة الأقارب هو من أعظم القربات ويخفف عنهم الهم ويرفعهم عن السؤال، فكم من أناس متعففين لا يسألون الناس مع شدة حاجتهم وتأمل قول الله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) صفة المؤمن وكرم نفسه: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) هو لله لا لدنيا ولا لثناء الناس؛ ولهذا كان السر أدعى للإخلاص. ومن نعم الله علينا في بلدنا وجود الجمعيات الخيرية كل في بذله ومجاله بترخيص ومتابعة من الجهات الرسمية التي لا تقل حرصا على نفع الناس وإيصال الخير لهم؛ فلهم جميعا الشكر والدعاء. روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة). ليكن رمضان فرصة للبذل لمن تعرف من قرابتك أو للأسر المتعففة التي ترعاها الجمعيات المباركة برعاية الدولة ومباركتها، والجميع يدرك أن هذا التكافل يعود على المجتمع كله بالمحبة والألفة والبركة وشعور الجسد الواحد، ويعود عليهم في الآخرة بالثواب الجزيل. لا تتأخر عن بذل المعروف أيا كان، واجتهد في رمضان واستمر عليه طول حياتك واضرب في كل باب من أبواب البر بسهم؛ فهو سعة في الدنيا ونعيم في الآخرة، وإياك وقطاع الطريق الذين يصدون عن سبيل الله ويجعلون الدنيا غايتهم (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) واجعل الآخرة هدفا لبلوغ رضوان الله وجنته (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا). لا تتوانَ عن بذل الخير وخاصة في صحتك، جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: (أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ) رواه البخاري. اللهم وفقنا للخيرات واجعلنا من المتصدقين المخلصين واهدنا جميعا صراطك المستقيم.