يواجه تاريخنا الرياضي في واقعنا المعاصر مشكلة كبرى تتمثل في عدم وجود الغطاء الرسمي الذي يقوم بتدوينه وكتابته وحفظه في ظل عدم تصدي المدونين الثقات والهواة للمهمة، وتباهي بعض العابثين به بين فينة وأخرى بمعلومات مغلوطة وحقائق كاذبة غلبتها العاطفة وطغى عليها الميول، لذلك وفي ظل خلو الساحة المهنية من المؤهلين باستثناء قلة من الأمناء والثقات وبات كل يدلي بدلوه ويدعي معرفته بالتاريخ الرياضي رغم أن التاريخ أمانة والعبث به خيانة لا يدرك أهميته إلا المؤمنون به. والمؤكد أن التاريخ الرياضي كفرع خصيب ومنهج علمي رصين له فلسفته ونظرياته ومقوماته واتجاهاته العلمية يتفرع من علم التاريخ العام وهو عبارة عن ضابط وسجل موثق للأحداث الرياضية والشواهد التاريخية وإرهاصاتها ويتجزأ من حيث المنهجية العلمية إلى اتجاهين أساسيين هما: السرد الروائي والمعالجة التحليلية اتجاهان يهدفان إلى صناعة وصياغة التاريخ الرياضي في إطار معالجة علمية منظمة للوقائع والأحداث والمواقف في فترات زمنية معينة، وهنا ينبغي لمن يتصدى لكتابة التاريخ الرياضي العودة إلى معطيات المصادر الأولية والثانوية وغيرها من المصادر المتنوعة وضرورة التقيد بالتوثيق العلمي السليم الذي يتكئ على الأصالة الفكرية والأمانة المهنية والمهارات اللغوية وهي من المعايير والأسس التي يقوم عليها صناعة التاريخ الرياضي الرصين بعيداً عن مفردات التحيز والتعصب والذاتية العواطف والازدواجية. شطبوا اسم (البربري) من قائمة رؤساء النصر وجيّروا سنواته الخمس لرئيس آخر تشويه تاريخ ابن سعيد الريادي إن الأمثلة الحية على ما يدور (اليوم) في الساحة الرياضية من تلاعب في التاريخ وتزييف في حقائق عديدة لعل من أبرزها انكار دور رائد الحركة التأسيسية للرياضة في المنطقة الوسطى الشيخ عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- في تأسيس نادي الشباب العام 1367ه مع مجموعة شخصيات رائدة ونسبها لاسم آخر. ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا خربشة «تاريخ ابن سعيد الأزرق» مشككين في أنه ليس المؤسس الحقيقي والوحيد لنادي الهلال العام 1377ه إلى جانب نسج قصص وتأليف حكايات زائفة حول موضوع التأسيس لا تمت للحقيقة بصلة. أنكروا أحقية (ابن سعيد) في تأسيس الشباب.. ودوره في إنشاء الهلال شطبوا اسم (البربري) من رؤساء النصر أيضا من أمثلة العبث في الحقائق التاريخية قيام إحدى الصحف المحلية بحجب اسم الأستاذ احمد عبدالله (البربري) -رحمه الله- من القائمة التاريخية لأسماء رؤساء نادي النصر برغم أنه ثاني رؤسائه منذ منتصف العام 1375ه وحتى نهاية العام 1379ه، ولم يكتفوا بذلك بل وجيروا سنوات رئاسته إلى فترة أول رئيس الشيخ زيد مطلق الجبعاء -رحمه الله- الذي استقال بعد تأسيسه النصر بستة أشهر تقريبا، وذكروا أنه رأس النادي لخمس سنوات! الوهيبي يؤكد ل (الرياض) رئاسة البربري وفي حديث خاص ل (الرياض) أنصف ثالث رؤساء نادي النصر الأستاذ محمد سعد الوهيبي الرئيس الذي سبقه -أحمد البربري- بتأكيد فترة رئاسته قائلا: «تولى رئاسة النصر عدد من الأشخاص أذكر منهم المرحوم زيد مطلق الجبعاء وله الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى باستمرار النادي، ثم تولى بعده الأخ أحمد سوداني البربري، ثم أسندت لي مهمة رئاسة النصر وبسبب ارتباطاتي العملية الرسمية في ميدان التعليم والعمل الكشفي التي تتطلب تنقلي بين المدن اضطررت إلى تقديم الاستقالة وتزامنت مع إكمالي إجراءات تسجيل النادي رسميا لدى رعاية الشباب التابعة آنذاك لوزارة المعارف العام 1380ه وخلفني الأستاذ عبدالله مختار -رحمه الله- ولا أنسى من جاؤوا بعده ممن أعطوا نادي النصر دفعة قوية وانفقوا عليه بسخاء على قدر إمكانياتهم المادية في ذلك الوقت».. (انتهى كلام الوهيبي). 200 ريال أول دعم للبربري وصادق على تلك الحقائق رائد المؤرخين د. أمين ساعاتي في كتابه (تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية) بقوله: إن مجموعة من لاعبي ومشجعي النصر اجتمعوا في بيت ناصر بن نفيسه -منتصف العام 1375ه- ودرسوا وضع نادي النصر بعد استقالة رئيسه زيد الجبعاء وأدركوا ان المشكلة مادية بحتة فعقدوا الأمر على القيام بحملة على مشجعي النادي وفعلا جمعوا ما يقارب 200 ريال، وتم في ذلك الاجتماع قبول استقالة رئيس النادي -زيد الجبعاء- وانتخاب أحمد عبدالله رئيسا للنادي وهو أحد المشجعين.. (انتهى كلام الساعاتي). أزمة مؤرخين رياضيين إن مجتمعنا الرياضي الذي يعد جزءاً من نسيج مجتمعنا الكبير يعيش حقيقة (أزمة مؤرخين) بغياب المؤرخ المحترف الأمين المكين الذي يملك في حقيبته التوثيقية التاريخية الأدوات المهنية وأصولها الضبطية من حس مهني وأمانة علمية ووعي وحيادية وتخصص وعمق معرفي ومصادر مختلفة باستثناء عميد مؤرخي الحركة الرياضية السعودية الدكتور أمين ساعاتي صاحب أكبر موسوعة علمية تضم تاريخ الحركة الرياضية من الألف حتى الياء، وثقافة نسيجنا الرياضي وتركيبته المعقدة لا تؤمن بأهمية التاريخ الرياضي وتدوينه كما ينبغي كأي ظاهرة من مظاهر الحياة المجتمعية وفق قواعد الضبط العلمي والمهني والأخلاقي وبالتالي أصبح مجتمعنا الرياضي أرضية خصبة لكل من أراد كتابة أو الحديث عن التاريخ الرياضي بحسب أهوائه وميوله وعواطفه وسرد معلوماته وحقائقه بكل كذب وافتراء وتجنٍ وتزوير، وأيضاً ظهور لغة الازدواجية في هذا السياق كنتاج طبيعي لعدم الإيمان أن التاريخ ومكوناته كعملية إنتاج وممارسة فكرية وثقافية تقوم بجمع وتحليل وفهم للأحداث التاريخية بمنهج علمي يسجل ما مضى من وقائع وأحداث ويحللها ويفسرها على أسس علمية صارمة وصادقة وضابطة. إن التاريخ أمانة والعبث في حقائقه ومعلوماته خيانة وجناية. «اتحاد للتاريخ والاحصاء الرياضي» ولا شك أن مشكلة ندرة المؤرخين الرياضيين المتخصصين في مضمار الضبط الأرشيفي والبحث والتدوين بمفهومه العلمي ومنهجه الرصين تقع على كاهل المؤسسة الرياضية (وزارة الرياضة) واتحادها الرياضي لكرة القدم اللذين تجاوزا عمرهما الزمني أكثر من نصف قرن لا يملكان للأسف تاريخاً موثقاً وأرشيفاً رياضياً في قالبه المؤسسي يحفظ مكتسبات ومعطيات الرياضة السعودية بجانب حقوق روادها ورموزها وصيانتها من العبث، والعمل على تشجيع وبناء ثقافة التوثيق الرياضي والاهتمام بمكونات ومعطيات التاريخ الرياضي كما يحدث في بعض الاتحادات الرياضية الأوروبية التي تملك تاريخاً عمره أكثر من قرن موثق في قالبه العلمي ويشكل مرجعية ضابطة لكل المهتمين بالتاريخ الرياضي من إعلاميين ورياضيين وغيرهم عبر وجود اتحاد مؤسسي للتاريخ والإحصاء الرياضي يضبط ساعة التدوين والحفظ، ويحمي حقوق الأندية من التجاوزات العابثة والممارسات المخالفة وتقديم المعلومة في سياقها المنضبط الأمر الذي شجع على تنمية ثقافة التوثيق والضبط التاريخي في هذه المجتمعات الواعية وحتى نوّسع دائرة المهتمين بالتاريخ وحفظه نحتاج أولاً: الاعتراف بقيمة العمل التاريخي المنضبط وأهميته المعيارية في القياس التنموي. وثانياً: إنشاء اتحاد يُعنى بالتاريخ والإحصاء الرياضي وثالثاً: نشر ثقافة التوثيق التاريخي وتنمية خلايا هذه الثقافة المغيبة في مجتمعنا الرياضي عبر قنواتها العلمية والمهنية كما يفعل الأوروبيون الذين يقدسون وبلغة واعية قيمة وثقافة الضبط التاريخي وتشجيع صناعته وتحفيز القائمين عليه وتكريمهم نظير ما يقدمونه من خدمة بنائهم الرياضي وتنظيماته عبر البوابة التوثيقية ورصد الوقائع التاريخية وأحداثها في قالبها المؤسسي. د. ساعاتي ثروة تاريخية رياضية هنا ينبغي دراسة إنشاء اتحاد جديد يعني بالتاريخ والإحصاء الرياضي يشرف عليه الأب الروحي للتاريخ الرياضي د. أمين ساعاتي الذي عاصر حقبة البناء والتأسيس قبل أكثر من ستة عقود لضمان حفظ تاريخنا الرياضي ومعطياته من العابثين والدخلاء على بوابة التوثيق. محمد الوهيبي مع عبدالله النزهان أول كابتن للنصر في صورة حديثة عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- مؤسس الشباب والهلال رائد المؤرخين د. أمين ساعاتي أحمد عبدالله البربري حجبوا اسمه من قائمة رؤساء النصر! ثالث رؤساء النصر محمد الوهيبي مع سليمان العيسى -رحمه الله- في رحلة عمل كشفية بالأردن 1385ه مؤسس الهلال عبدالرحمن بن سعيد «الأول من اليمين وقوفاً» عندما كان لاعباً مع فريقه في بداياته 1377ه