دأب النادي الأدبي الثقافي بجدة منذ تأسيسه على التوهج والإبداع، حيث كان منبراً ثقافياً بفعالياته المتوهجة، وأنشطته المتعددة، ومبادراته القيّمة، وصنع عدداً من المبدعين، والمفكرين، والأدباء، والنقاد، والمثقفين، وما زال يضخ المحتوى المميز ثقافياً، وأدبياً، ونقدياً، وفنياً، ولا نبالغ إذا قلنا: إن كثيراً من الأدباء والمبدعين الذين شكلوا علامة فارقة في الأدب السعودي مرّوا بهذا النادي، أو تأثروا به، أو أبدعوا فيه، أو عملوا تحت مظلّته، أو شاركوا من خلاله، أو تألقوا من بوابته، ولعلنا نذكر منهم مثلاً: الأمير عبدالله الفيصل، ومحمد حسن عواد، وعزيز ضياء، ومحمود عارف، وعبدالفتاح أبو مدين، ومحمد علي مغربي، وعبدالله الحصين، وعبدالله مناع، وحسن القرشي، وعبدالفتاح أبو مدين، وغيرهم. وقد اعتاد هذا النادي الأدبي الثقافي المميز على الإسهام المتتابع في دعم الفن، والأدب، والفكر، وكان وما زال رافداً مهماً من روافد الحركة الأدبية والثقافية في وطننا العزيز المملكة العربية السعودية، وتنوعت مبادراته وتفرّدت، فإضافة إلى إصداراته النوعية، وتخصيصه سلسلة خاصة بالأدب السعودي، تميز النادي بملتقياته العلمية، والثقافية، والإبداعية، كملتقى جماعة حوار، وملتقى قراءة النص، وملتقى الشعر، وملتقى السرد، وملتقى الفنون البصرية، وملتقى الشباب، كما عُرِف بمجلاته الدورية الخمس، وهي: مجلة علامات في النقد، ومجلة الراوي، ومجلة جذور، ومجلة نوافذ، ومجلة عبقر، وإني لأرجو أن تحذو الأندية الأدبية الأخرى حذوه، وتبلغ شأوه. ولعل من بين تلك المبادرات والفعاليات المميزة (ملتقى قراءة النص) الذي أصبح أيقونةً فريدة، ومعلماً ثقافياً يضاف إلى بقية المعالم التي تتميز بها جدة، وما يجعله كذلك هو انطلاقه وامتداده، فقد وصل في مسيره الآن إلى الملتقى السابع عشر، وكان في كل دورة مدهشاً في موضوعاته، ومقترحاته، وتوصياته، حتى في وفائه مع من يستحقون الوفاء، فقد درج هذا الملتقى الرائع - وتلك سُنّة طيبة - على أن يكرّم روّاد الأدب والثقافة السعوديين في كل دورة، إضافة إلى طباعة أعمال الملتقى وإخراجها بكتاب يخلّد ذكرها؛ إيماناً منه بقيمة الشراكة المجتمعية، وإسهاماً في الحراك الثقافي. قلتُ ذلك بعد المشاركة في الملتقى الأخير الذين كان بعنوان (الأدب العربي وفضاءات المثاقفة)، وتضمن ستة محاور هي: محور المصطلحات والمفاهيم، ومحور جذور المثاقفة في التراث العربي، ومحور أبعاد المثاقفة في الأدب الحديث، ومحور الاتجاهات النقدية الجديدة وآفاق المثاقفة، ومحور الترجمة الأدبية والتواصل الثقافي، ومحور تجليات المثاقفة في العالم الرقمي، وقد شارك في هذا الملتقى أكاديميون مميزون، وباحثون متألقون، وقُدّمتْ فيه أوراق علمية رصينة. وقد خرج هذا الملتقى بتوصيات ثمنت الدور الريادي الذي ترمي إليه رؤية المملكة 2030، وما تقوم به وزارة الثقافة من برامج ومبادرات عبر هيئاتها الرسمية لتجسير الهوية الثقافية والأدبية، والتفاعل الحضاري، والثقافة الإنسانية، والدراسات الأدبية، وتعزيز اتجاه المؤسسات الرسمية نحو بناء منظومات مثاقفة مميزة، والاهتمام بالتخصصات الثقافية والبينية، التي تهتم بالآداب والفنون، وإنشاء وحدة ترجمة تعنى بالمصطلحات والمفاهيم النقدية. شكراً لنادي جدة الأدبي، ممثلاً برئيسه، وأعضائه، وشكراً لكل من قام على هذا الملتقى الرائع، أو دعمه بالحضور، والمشاركة، والرعاية، والتنسيق، وشكراً للباحثين والباحثات الذين أثروا هذا الملتقى بأوراقهم الحصيفة.