كشفت صحيفة ذا فاينانشال تايمز البريطانية، معلومات جديدة حول وقائع الدعوى المدنية التي رفعتها شركة تحكم التقنية ضد سعد الجبري، وتتهمه فيها بتدبير عملية احتيال شارك فيها ما لا يقل عن 21 متآمرًا عبر 13 ولاية قضائية من بينهم زوجته وأبناؤه وأقاربه وأصدقاؤه وشركات تابعة له؛ بهدف الاستيلاء على ما لا يقل عن 3.5 مليار دولار، باستخدام شركات كان قد تم تأسيسها قبل أكثر من 10 سنوات كغطاء لحرب السعودية على الإرهاب. وبحسب الصحيفة، وطبقًا لوثائق المحكمة، فإن الدعوى القضائية المرفوعة ضد الجبري أمام محكمة العدل العليا في أونتاريو بكندا، كشفت استخدامه منصبه في وزارة الداخلية لتأسيس كيانات للقيام بأنشطة مكافحة الإرهاب، لكنه استخدمها بدلًا من ذلك في مخطط احتيالي لسرقة مليارات الدولارات. ومن أصل 19.7 مليار دولار خصصتها السلطات السعودية لمكافحة الإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، كان هناك 11 مليار دولار "أساء الجبري إنفاقها أو قام بسرقتها مع شركائه". وفي إحدى الصفقات المذكورة في وثائق المحكمة، قالت شركة سكب، أحد الشركات المُدَّعِيَة، أنها وافقت على شراء أجهزة فاكس مشفرة بأسعار "مضخمة بشكل غير طبيعي"، وتحويل 122 مليون دولار إلى عبدالرحمن (شقيق سعد الجبري)، بين عامي 2008 و 2011 كقيمة لمنتجات؛ "إما أنها غير موجودة أو لا تعمل"، بحسب ما أوردته صحيفة ذا فاينانشال تايمز في عددها الصادر الأحد. وكانت محكمة العدل العليا في أونتاريو بكندا قد أصدرت مارس الجاري، حكمًا جديدًا يقضي برفض طلب الإفراج عن أصول سعد الجبري المتهم باختلاس مليارات الدولارات من شركات سعودية، وهي المرة الثانية التي ترفض بها المحكمة طلبات للإفراج عن أصول سعد الجبري. وتُشير الدعوى القضائية إلى أن الجبري عمد على إخفاء الأموال المستولى عليها بطرق غير شرعية، في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولاياتالمتحدة، وكندا، وأوروبا، طبقًا لما ذكرته الصحيفة. وبرز اسم بنك HSBC في الوثائق المقدمة ضد سعد الجبري في المحكمة. وتقول الصحيفة عن ذلك "قد تكون القضية محرجة أيضًا لهذا البنك (HSBC) والذي يبدو بأنه كان البنك المفضل للجبري حيث استخدمه لأعماله الشخصية – فتح فيه حسابات متعددة – وكذلك استخدمه في تعاملات الكيانات التي يُزعم أنه استخدمها لتنفيذ عملية الاحتيال". وكان بنك HSBC أيضًا وصيًا على صندوق الجبري الاستئماني الذي تبلغ قيمته 55 مليون دولار والمسمى بلاك ستاليون (Black Stallion) والذي أنشأه في جيرزي. ووفقًا للوثائق، فقد اشترك الصندوق في تعاملات عقارية من قبل الشركات التي استخدمت كواجهة، بما في ذلك بيع مبنى في جنيف – يستأجره البنك ذاته – في صفقة بلغت قيمتها 310 ملايين دولار. ومن بين المعلومات الجديدة التي أوردتها صحيفة ذا فاينانشال تايمز البريطانية حول الدعوى المرفوعة ضد سعد الجبري أمام القضاء الكندي، قيامه وشركة دريمز إنترناشيونال للخدمات الاستشارية -وهي كيان خارجي أنشأه في عام 2007 -، بالحصول على مدفوعات مباشرة بقيمة 480 مليون دولار من الشركات التي اُتخِذَت كواجهة. وفي صفقة واحدة فقط، قيل إن شركة دريمز إنترناشيونال تلقت 113.6 مليون دولار بعد شهرين من إعفاء الجبري من منصبه كوزير دولة في سبتمبر من عام 2015، حيث عيّن الجبري أصدقاء وأقارب له كمساهمين مرشحين في الشركات التي استخدمت كواجهة. وتُشير وثائق المحكمة إلى أن إجمالي المبالغ التي تحصل عليها من الدولة من بعد إنشاء الكيانات الخاصة وحتى العام 2015 لا يتطابق مع حجم ما كشفته الوثائق نفسها من تضخّم أرصدته البنكية من عمليات الفساد وامتلاكه عقارات "فاخرة" في كنداوالولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى قيمتها 83.2 مليون دولار. وتقول صحيفة ذا فاينانشال تايمز، أن الجبري أهدى أصوله لابنه محمد في يونيو 2017. ولكن في كشف قُدِّمَ لاحقًا للمحكمة، أدرج أصولًا تزيد قيمتها عن 63 مليون دولار في حسابات مصرفية وصناديق استئمانية خارج المملكة، بالإضافة إلى محفظة عقارية في كندا ومالطا والمغرب والسعودية وتركيا، بما في ذلك منزله في تورنتو والذي اشتراه مقابل 10.4 مليون دولار، وأسطول سيارات مكوَّن من أكثر من 20 مركبة بما في ذلك سيارات بورش وبنتلي. وتُشير الصحيفة إلى أن التحقيقات في الشركات التي استخدمها الجبري كواجهة لأنشطته بدأت بعد أن تم دمجها في شركة تحكم الاستثمارية، حيث تم التعاقد مع شركة (EY) للقيام بالتدقيق اللازم لبعض الكيانات، وبعد أن أبلغت الشركة المُدَقِّقَة عن وجود مخالفات مالية، تم تكليف شركة ديلويت بإجراء مراجعة قانونية، وهي جوهر القضية المرفوعة ضد الجبري. وما يزال تحقيقها مستمر. وكانت السعودية قد جمّدت حسابات الجبري، ووضعت أنشطته قيد التحقيق من قبل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، حيث أن هذه القضية جزء من حملة أوسع لمكافحة الفساد تهدف إلى تحطيم أنظمة المحسوبية. وفي تعليق له على قضية الجبري، نقلت صحيفة ذا فاينانشال تايمز، عن مسؤول سعودي رفيع، قوله "في بعض الحالات كانت هناك مبالغ ضخمة من المال يتم إخراجها من النظام، لقد كنّا بحاجة إلى حملة جادة للقضاء على كل ذلك"، مضيفًا بالقول أن "قانون المشتريات الجديد وعملياته مصممة لتحسين الشفافية في منح العقود التابعة للدولة، فمكافحة الفساد مهمة جدًا وكل ما ننفقه الآن مهم. وليس لدينا خيار سوى القيام بالأمور بطريقة مختلفة". يُشار إلى أن المحكمة العليا في أونتاريو بكندا، قد أمرت يناير الماضي، بتجميد أصول سعد الجبري في جميع أنحاء العالم، وألزمته الكشف عنها علنًا، وإلا سيواجه عقوبة محتملة بالسجن، وذلك على إثر قيام شركة تحكم الاستثمارية برفع دعوى قضائية في أول تحرك قانوني ضده، تتهمه وأسرته فيها باختلاس 13 مليار ريال خلال فترة عمله في وزارة الداخلية، بحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال. ونص قرار المحكمة الكندية العليا الخاص بالحجز على أمواله وأصوله وحساباته، على إلزام المصارف وشركات المحاماة والمحاسبين في كندا وسويسرا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة بالكشف عن أي سجلات تتعلق بأصول سعد الجبري، كما طلبت مساعدة تلك السلطات القضائية في تلك البلدان لإنفاذ أمر الكشف عن الأصول. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد اعتبرت أن قرار المحكمة الكندية بتجميد أصول سعد الجبري خطوة ناجحة لمتابعة قضايا الفساد في محكمة غربية، حيث جعل الأمير محمد بن سلمان الحرب على الفساد محور جدول أعماله منذ العام 2017، وأسهمت التحقيقات التي تمت في إطار الحملة عن استعادة البلاد لمليارات الدولارات المنهوبة. وفي فبراير الماضي، ومارس الجاري، رفض القضاء الكندي طلبات بالإفراج عن أصول سعد الجبري المتهم باختلاس مليارات الدولارات من شركات سعودية. وطبقًا لما أوردته صحيفة ذا غلوب آند ميل الكندية في وقت سابق، فإن القاضية كوري غيلمور قالت في حكمها المكون من 30 صفحة "أن الجبري لم يقدم ماديًا أو موضوعيًا ما يكفي لإلغاء الأوامر القضائية الحالية المرتبطة به"، حيث وجدت أن المدعى عليه لم يتمكن من إثبات أنه عومل معاملة غير عادلة في وقت سابق في جلسة استماع سرية عندما جمدت المحكمة أصوله. وأكدت غيلمور -بحسب وسائل الإعلام الكندية-، أن القضاء الكندي أمام قضية احتيال ارتكبها (سعد الجبري) أثناء عمله في السعودية حتى العام 2015، وتهم حول استمرار تحويل الأموال إليه وآخرين حتى عام 2017، مبينةً أن الإفادات الخطية التي قدمها الجبري لا تفسر على نحو كافٍ أي من الأنشطة الاحتيالية المحتملة المدرجة في تقرير شركة المحاسبة ديلويت التي تمثل المدعين والمكون من 150 صفحة، وأن الأمر القضائي سيستمر، رافضة مزاعم الجبري باعتبار دعوى الفساد بأنها جزء من حملة اضطهاد سياسي، كما يزعم. وطبقًا لهيئة الإذاعة الكندية فإن قاضي المحكمة غيلمور ذكرت أن الجبري رفض الإجابة على الأسئلة المتعلقة بدعوى قيامه بتحويل أموال الأمن ومكافحة الإرهاب إلى نفسه وعائلته وشركاءه الذين قدرتهم الدعوى ب21 شخصًا. ونقلت هيئة الإذاعة الكندية وصحيفة CBC الكندية في وقت سابق عن القاضية قولها "أن الجبري تغاضى عن مئات الملايين التي تم تعقب تحويلها إلى عائلته وإلى شركاء آخرين"، مبينةً أن الجبري لم يُقدم أي إفادة خطية تحت القسم حول كيفية حصوله على أصول بملايين الدولارات بما في ذلك الحسابات المصرفية في أوروبا ومالطا وجزر فيرجين البريطانية والولاياتالمتحدةوكندا والعقارات الفاخرة مثل قصره Bridle Path في تورنتو الذي تبلغ تكلفته 13 مليون دولار. وذكرت شبكة CBC الكندية في تغطيتها لوقائع القضية أن القاضية رفضت طلب محامي الجبري بالإفراج عن أصوله، ووصفت مذكرة تقدم بها ابنه (خالد) للمحكمة بأنها "أطروحة سياسية أكثر من كونها ردًا ملموسًا على الادعاءات الخطيرة التي أُثيرت"، على حد وصفها، مؤكدة أن هناك أدلة دامغة تُشير إلى وجود احتيال. وحول الأدلة والمستندات المقدمة ضد سعد الجبري، قالت القاضية الكندية كوري غيلمور أن دعوى الشركة وما قُدم فيها من الإفادات الخطية والمستندات يوضح أن الجبري قد استخدم وسائل احتيالية لحرف مسار أموال تحق ملكيتها للمدعين، وقد تعرض المدعون للخسارة إثر ذلك السلوك، حيث استولى على 13 مليار ريال بطرق غير مشروعة. وكان سعد الجبري قد تورط خلال 17 عامًا قضاها في وزارة الداخلية، باختلاس المليارات بالاستفادة من الأموال التي خصصتها الدولة لصندوق مكافحة الإرهاب، عبر إساءة استخدام منصبه واستغلاله الشركات العاملة في المجال الأمني لإبرام تعاقدات مشبوهة أفضت لتعظيم أرصدته وأرصدة عدد من افراد عائلته والمقربين له، عن طريق رفع رسوم العقود أو تحويلها إلى وجهات أخرى بما في ذلك حسابات مصرفية خارجية يملكها ويسيطر عليها الجبري وعائلته وشركائه، بحسب ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في تحقيق استقصائي عن القضية في يوليو العام 2020. وتضمنت الدعوى المرفوعة ضد الجبري أمام القضاء الكندي، تهم فساد تتعلق بعقارات في السعودية تقدر قيمتها مجتمعة بمئات الملايين وشققًا فاخرة في فندق ماندارين أورينتال ببوسطن، وفنادق فور سيزونز والعديد من العقارات في كندا. ونتيجة للدعوى المرفوعة ضد الجبري في كندا، فتحت السلطات المالطية الشهر الماضي، تحقيقًا موسعًا بتهم الفساد التي تلاحق سعد الجبري، بصفته مواطنًا مالطيًا اكتسب الجنسية عبر مخطط استثماري مُثير للجدل، بحسب ما أفادت بذلك صحيفة "تايمز أوف مالطا". وليس من المستبعد أن تلجأ السلطات المالطية لتجريد الجبري من الجنسية في ظل الدعوى المرفوعة ضده أمام القضاء الكندي، حيث تم تجميد أصوله على نطاق واسع في العديد من الدول الغربية والأوروبية استنادًا إلى قوة وموثوقية الأدلة والمستندات المقدمة ضده. ومن الواضح أن مالطا ليست على استعداد للتضحية بسمعتها الدولية وسمعة جنسيتها لصالح شخص تلاحقه تهمًا قوية بارتكاب قضايا فساد ضخمة تناهز مبالغها 13 مليار ريال سعودي، وخصوصًا في ظل الانتقادات العنيفة التي وجهتها منظمتين غير حكوميتين "الشفافية الدولية" و"غلوبال ويتنس" واللتان نددتا بسهولة لجوء الفاسدين والمجرمين إلى أوروبا بفضل ضبابية البرامج المعروفة ب"التأشيرات الذهبية" وقلة مراقبتها، بحسب عدد من التقارير الإخبارية. ومن بين تفاصيل القضايا التي تورط بها الجبري، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، قيامه بنقل عقارين في جنيف وفيينا تقدر قيمتهما بنحو 400 مليون دولار من شركة تابعة لتحكم إلى كيان يخضع لسيطرته، في عملية سرقة صريحة تم تنفيذها من خلال سلسلة معقدة من المعاملات الاحتيالية التي أدت لإثراء الجبري وعائلته والمتآمرين معه، بحسب صحيفة الدعوى المرفوعة ضده.